2024/06/19

السلفيّة والحنبليّة والوهابيّة وجماعة الإخوان الإسلاميّة

إن رغـبـت فـي أن تـحـارب أيـة جـمـاعـة وتـنـتـصـر عـلـيـهـا؛ فـعـلـيـك بـأن تـحـاربـهـا مـن داخـلـهـا، ومـن "عـمـلاء" مـن أهـلـهـا. ذلـك هـو تـحـديـداً مـا يـفـعـلـه الـغـرب - وخـاصّـة أمـريـكـا وبـريـطـانـيـا - ضـد الـمـسـلــميـن، وذلـك هـو مـا تـرك كـل الـمـسـلـمـيـن هـكـذا مـتـخـلّـفـيـن، ومـتـنـاحـريـن.... ومـع بـعـضـهـم مـتـعـاديـن.

قبل أن أدخل في صلب الموضوع دعوني أحاول النظر إلى السلفيّة بمنطق أهلها الذين ينتمون إليها أو يظنّوا أنفسهم بأنّهم من أتباعها. فالكثير منّا أصبح يرى أو يسمع أو يشاهد أتباع السلفيّة وهم يرون أنفسهم كمذهب ديني ربّما في نظرهم يعتبر أكبر وأكثر عمقاً بين المسلمين من بقيّة المذاهب السنّية الأخرى(مالكية، شافعية، حنفيّة).
السلفيّه هي إعتقاد أو ربّما منظور لا يختلف إطلاقاً عن إعتقاد أو منظور الصوفيّة من حيث الجوهر والفكرة. فالسلفية هي منهج حياة كما هي الصوفيّة؛ وأي منهما لم تكن حكراً على المسلمين وحدهم. فاليهود توجد لديهم سلفيّة مثل سلفيّتنا، والسلفيّة اليهوديّة هي عبارة عن طائفة دينية تتميّز عن غيرها بالتمسّك الصارم بـ«الهالاخاة»؛ وهو الجزء التشريعي من التلموذ. ففي مركز الحوار في فيينا يتفادى مجلس إدارة المركز أن يعقد جلساته في يوم السبت لأن من تشريعات اليهودية الأرثوذكسية(السلفيّة) عدم إستخدام وسائل النقل الحديثة (سيارات، طائرات، قطارات... إلخ) ولا المصاعد يوم السبت.
أمّا عند المسيحيين؛ فلا يخالف التفكير السلفي عندهم بذلك عند المسلمين؛ إذ يتواجد من بين المسيحيين من يعتقدون بأنّهم أتباع السلف، وهم بكل تأكيد الأرثوذيكس المسيحيّون الذين توجد لهم تقاليدهم وممارساتهم المتشددة والتي يرجعونها إلى تطبيق أفعال السلف كما نقول نحن المسلمون. فأولئك السلفيّون المسيحيّون يؤكدون على التفسير الحرفي للنصوص الإلهية ويتمسّكون بشدة باقوال الحكماء السابقين ويرون بأن الماضي هو المتحكّم الرئيسي في الحاضر والمستقبل ويَدّعون بأن ما هم عليه هو الصحيح وأن ما عداه بدعة يجب محاربتها.
السلفيّون المسيحيّون يحاربون الحداثة والتطوّر، ويصرّون على فرض آرائهم على المجتمع والناس بالقوة؛ وهنا يمكن القول بأن طائفة "الآميش" تعد من أهم الطوائف المسيحية التي إنتهجت هذا التيار المتطرّف والتي ظهرت خلال القرون الوسطى؛ حيث أنّها كانت تحرّم على أتباعها حلق اللحيّ، وكانت توجب عليهم حلق الشارب. كذلك هي نفس المجموعات السلفيّة المتشددة التي فرضت على المرأة لبس أزياء فضفاضة تغطّي جسمها وشعرها كلّه. ولقد إنتشرت تلك الطائفة المتشددة في أمريكا وفي بعض الدول الأوروبية.
من هنا أرى بأن السلفيّة هي وجهة نظر وإعتقاد يلزم أصحابها بما يعتقدون، ولا يحق لهم على الإطلاق فرض إعتقادهم على بقيّة الناس الذين إختاروا لأنفسهم بأن لا يكونوا من السلفيين. في الجانب الآخر نرى بأن بعض الناس إختاروا لأنفسهم بأن يكونوا متصوّفين في الحياة فأطلقوا على منهجهم "الصوفيّة"، وهم لا يختلفون من حيث جوهريّة التفكير عن جماعة السلفية إلّا في طريقة الإعتقاد والممارسة؛ لكنّهم يشتركون معهم في كون أن السلفية والصوفية هما إختياران يخصّان فقط من إختارهما ولا يحق لأي منهما بأن يتدخّل في إختيار الثاني أو أن ينتقده. كما لا يحق للسلفيين ولا للصوفيين فرض طريقة تفكيرهم على الغير، ويجب أن يعتبر ذلك إن حدث تدخّلاً في شئون الغير والتعدّي على حقوقهم.
أمّا الإرتباط العضوي بين الحنبلية والسلفيّة فهو لا يعدو كونه توافقاً في التفكير والإعتقاد مع بعض الإختلاف في التعامل مع من يختلف معهم أو يخالفهم. أمّا الوهابيّة فهي سلفيّة متشددة تجيز اللجوء للعنف لفرض أفكارها؛ لكن الوهابية هي مكمّلة للحنبلية ومتكاملة مع السلفيّة.
وإذا مررنا بجانب العلاقة بين الوهابية والإخوان المسلمون بإعتبار أن التنظيمين في الأساس هما سلفيّان في جوهر التفكير مع بعض الإختلافات في الممارسة وطريقة التبشير وبعض الأشياء المظهريّة.
يبدأ مشروع الإخوان المسلمون بأفكار المؤسّس لهذا التنظيم الشيخ حسن البنّا، الذي تأثّر بالفكر السلفي للشيخ محمد رشيد رضا؛ من خلال تتلمذه في مدرسته الفكرية. تلك المدرسة التي خرجت بين مدرستين سلفيتين: الأولى منهجيّة عقلانيّة مُستنيرة للإمامين المُجددين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده (تيار الجامعة الإسلامية)، والثانية مذهبيّة نصيّة مستقاة من فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بإمتدادها التاريخي إلى الإمامين السلفيين أحمد بن تيمية وأحمد بن حنبل مؤسّسا تيار السلفية الوهابية.
لقد كانت الدعوة السلفية واحدة من روافد فكر الشيخ البنّا، وخصوصاً في عقيدة التوحيد، ولكنه تأثر أيضاً بالمدرسة الصوفية، من خلال تتلمذه على مشايخ الطريقة الشاذلية الحُصافية؛ فإنعكست على نظام التربية الروحية الذي وضعه للجماعة، وكان هذا التنوّع عاملاً لوجود التوازن ما بين السلفيّة والصوفيّة، وهو ما منع طغيان أحدهما على الآخر. ولذلك، وصف الجماعة بأنها: "دعوة سلفيّة... وحقيقة صوفيّة"، فكانت حركة سلفية بنكهة صوفية أو طريقة صوفية بنكهة سلفية.
إلتقاء التيّارين الوهابي والإخواني ساهم في حدوث ظاهرتين مهمّتين؛ هما "تسلّف الإخوان" و"تأخون السلفية". برزت ظاهرة "تسلُّف الإخوان" من خلال تأثّرهم بالمضمون العقائدي والفقهي السلفي الوهابي، ولكن من دون أن يُغيّروا في المضمون الحركي الفكري والسياسي للجماعة.
هذا التأثّر كان ولا زال واضحاً في تراجع المذهب الأشعري لصالح السلفي على مستوى العقيدة، وتراجع الأخذ بالمذاهب الفقهية الثلاثة لصالح الحنبلي، والتشدد في لبس النقاب وفي تحريم أنواع من الآداب والفنون، وخصوصاً الموسيقى؛ بعد الانفتاح عليها، والتمسّك بإطلاق اللحى؛ بعد التساهل في تقصيرها، والأخذ بفقه التضييق على أهل الذمّة بعد تقبّلهم، والتطرّف في الموقف من الشيعة بعد فقه التقريب للإمام البنّا.
أما ظاهرة "تأخون السلفية"، فقد برزت من خلال تأثّر الوهابيين بالمضمون الحركي الفكري والسياسي الإخواني، ولكن من دون أن يُغيّروا في المضمون العقائدي والفقهي للتيار الوهابي.
في نهاية المطاف قد نرى بكل سهولة أن كل تلك التنظيمات ما هي إلّا إنحراف كبير عن جوهر الدين الإسلامي بإعتباره "دين يسر" بإتّجاه "التطرّف" و "التشدد" في دين الله بما أنتج صورة مختلفة عن تلك التي جاء بها النبي محمّد عليه السلام.
إن المتتبّع لنمط العلاقة بين التنظيمات السلفية يرى بأنها كلّها تلتقي حول جوهر "التشدد في الدين" ومشروع فرض هذا التوجّه على كل المسلمين من خلال نعوت "التكفير" وأليّات "القتل" بإعتبار أن النعت بالأوّل يسمح بالمعاقبة بالثاني.
هناك الكثير ممّن يظنّون بأن كل تلك الجماعات المتشددة في الدين(حنبلية، وهابيّة، إخوانية) هي كلّها تستظل بمظلّة واحدة تسمّى "السلفيّة"، وتلك الفئة هي من - في واقع الأمر - تحارب الإسلام بإسم الله وبإسم الإسلام نفسه؛ مما قد يضعها في خانة "عصابات تخريب الإسلام من الداخل"؛ والتي ربّما تسيّرها وتنفق عليها قوى ذكيّة معادية للإسلام وتهدف إلى إذلال المسلمين في كل مكان في العالم والعمل على نشر العداوات بينهم من خلال معتقداتهم المذهبيّة التي تفقهها تلك العصابات وتعمل على تأجيجها حتى يبقى المسلمون ضعافاً ومستكينين بما يحافظ على تبعيّتهم لغيرهم؛ وهو تحديداً ما نراه الآن في كل بلاد العالم الإسلامي.... وما العداء المقيت بين السعودية وإيران لصالح الصهاينة ببعيد عن ذلك المخطط. ليلتكم سعيده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الرجاء وضع تعليقك