لا مستقبل لنا أمة العرب وأمة الإسلام بغير النهج الديموقراطي السليم الذي يعني المحاسبة والمراجعة والعقاب حسب الإثم وحسب السقاب. الديموقراطية تعني وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ثم مراقبته ومحاسبته وتقييمه، ومن بعدها "عزله" إن هو تمادى في ضلاله.
يقول شيوخنا - بسبب غبائهم وشح مداركهم - بأن الديموقراطية حرام، وبأن العلمانيّة هي ضد الإسلام. شيوخنا وللأسف مازالوا يعيشون في الزمن السحيق، ولم يتمكّنوا من مواكبة العصر.
الديموقراطيّة هي ربّما تعتبر من أسلم وأنبل وأعدل أنظمة الحكم في كل العالم وعبر كل العصور. الديموقراطية الحقيقية هي تعني إختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، والديموقراطية تعني العدل والمساواة، والديموقراطيّة تعني المحاسبة والمساءلة والمراجعة. الديموقراطية تعني الحكم الرشيد الذي يتحدّث عنه شيوخ ديننا ولا يعرفوا ماذا تعني تلك العبارة.
يتنكر شيوخ ديننا للديموقراطية ويعتبرها بعضهم "كفراً"، كما سبق وأن أفتى الكثير منهم بأن العلمانية هي من الكفر. شيوخ ديننا وللأسف هم بصراحة لا يعرفون أيّ شئ عن الديموقراطيّة ولم يقرأوا عن العلمانية. إن أحكامهم تلك تنبع من خيالاتهم الضيّقة ومن إعتقاداتهم الخاطئة. إن ما يقولونه عن الديموقراطية يبرهنون من خلاله على أنّهم لا يعرفون أي شئ عنها، وعلى أن فتاويهم وطرق تفكيرهم كانت بالفعل قد تجاوزها الوقت. إن طرق تفكيرهم وإنحسار مستويات فهمهم لتبرهن على أنّهم بالفعل لم يعودوا جديرين بفرض فتاويهم على أنماط الحكم في هذا الزمان؛ الذي تبيّن بأنّه تجاوز مستويات تفكيرهم بمراحل كثيرة، ولم يعودوا بقادرين على اللحاق به أو الإنتماء إليه.
يقول شيوخ الدين بأن الديموقراطية "حرام" ومبررهم الوحيد هو أغبى من تفكيرهم. يقولون بأن الديموقراطية قد تفرز شخصية كافرة لحكم البلد المسلم. لا أدري من أين أتوا بمثل هكذا تفكير عقيم وغبي. في أي بلد إسلامي، يكون عدد المسلمين أكثر من 90%، وفي الكثير من البلدان الإسلامية تكون نسبة المسلمين 99% من كل عدد السكّان كما في ليبيا مثلاً. هل يعقل بأن 90% من السكّان المسلمين قد ينتخبوا غير مسلم ليحكمهم؟. كيف من الناحية الديموقراطية من الممكن أن يحدث ذلك؟. أليس مثل هكذا تفكير هو خارج العقل وخارج المنطق وخارج أي فهم للديموقراطية؟.
من ناحية أخرى، وماذا لو أن سكّان أي بلد مسلم إختاروا غير مسلم ليحكمهم؟. ما العيب في ذلك؛ حينما تكون الديموقراطية هي بالفعل ديموقراطية، وحينما تكون الدولة حديثة وعصريّة؛ فإن الحاكم - مهما كان - سوف يخضع لقوانين الدولة ولأجهزة الرقابة فيها.
لنأخذ مثلاً تلك البلاد الديموقراطية في أوروبا الغربية وفي شمال أمريكا. هل منع المسلمون في أي منها من أداء مناسكهم، والتبشير بدينهم، وبناء المساجد، وفتح دور تحفيظ القرآن؟. هل منعت أية دولة ديموقراطيّة أي مسلم من الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج؟. هل منعت أية دولة ديموقراطية أي مسلم من أداء الزكاة لمن يرغب ولمن يشاء؟.
في البلاد الديموقراطية - يا شيوخ التقيّة - توجد هناك محاسبة وتوجد هناك مكاشفة، وتوجد هناك شفافية، وتوجد هناك مراجعة، ويوجد هناك عقاب.
في البلاد الديموقراطية يا شيوخ التقيّة، قام مجلس النوّاب في بريطانيا بمحاسبة رئيس الوزراء على تحديث وتأثيث شقة سكنه في مقر مجلس الوزراء حيث أنّه أنفق عليها 200،000 جنيهاً، وكان المسموح له به هو فقط 30،000 جنيهاً. البرلمان حاسب رئيس الوزراء على مقدار من المال قدره 7،500 قدّمها لحزبه الحاكم أحد الموالين للحزب على إعتبار أن تلك الكمية من المال غير مسموح بتقديمها كهدية. تلك المحاسبات تحدث في بلاد "الكفّار" الديموقراطية ولا يحدث مثلها في بلادنا الإسلامية حيث مليارات من أموال الدولة تنهب وتسرق وتغتصب بدون رقيب ولا حسيب.... ويحدث ذلك في الإمارات وفي قطر وفي الكويت وفي السعودية.
إن خوف شيوخ الدين من الديموقراطية وترعيبهم من العلمانية هو فقط لأنّهم يخافون على سلطاتهم ونفوذهم في الدولة. الديموقراطية بكل تأكيد سوف تمنعهم من العبث بأمور البلاد من خلال فتاويهم العقيمة والتي لا تتماشى مع معطيات هذا الزمان. إنّهم من شدة خوفهم على نفوذهم نجدهم يحاربون الديموقراطية ويعتبرونها "كفراً" حتى يرهبوا الناس منها. لا يمكن لرجال الدين وفي أية ديانة أن يقبلوا بالإختيار الديموقراطي، فآخر شئ لشيخ الدين هو القبول بإختيار الناس. شيخ الدين يريد فرض نفسه على الغير، ويريد من الغير القبول به مفتياً ومنظّراً لهم حتى وإن كان أغبى من حذائه.
لا مستقبل لنا أمة العرب وأمة الإسلام بغير النهج الديموقراطي السليم الذي يعني المحاسبة والمراجعة والعقاب حسب الإثم وحسب السقاب. الديموقراطية تعني وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ثم مراقبته ومحاسبته وتقييمه، ومن بعدها "عزله" إن هو تمادى في ضلاله. هل يوجد في الدين أسلم من هذا المسعى، وأعدل من هذا النظام للحكم؟. فكّروا فيها يا شيوخ الدين، فأنتم حينما تفرّون من غياب العدل في بلدانكم الإسلامية تجدونه فقط في البلاد الديموقراطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك