علينا بأن نواجه أنفسنا بالحقيقة أو الحقائق التي وللأسف نجيد إنكارها ونبدع في التغاضي عنها ونجتهد في التستّر عليها. نحن نكذب على أنفسنا، ونتعامى عن مثالبنا، ونتغاضىى عن أوضاعنا التعيسة بين شعوب العالم. نحن نبدع في الهروب إلى الأمام، ونتقن كل فنون التمويه والخداع حتى لا نواجه الواقع والذي هو واقعنا.
قرأت هذا اليوم بأن الأمير البريطاني "ويليام"- وهو قد يكون مرشّحاً لعرش بريطانيا بدل والده - كان قد إستلم أوّل جرعة من اللقاح ضد كوفيد-19 هذا الصباح بدون مراسم وبدون إستعدادات خاصّة. هذا الأمير إنتظر دوره مثل أي بريطاني آخر، وكان 58 مليون من الرجال والنساء في بريطانيا قد إستلموا تطعيماتهم قبل هذا الأمير الشاب وزوجته.
حينما قرأت هذا الخبر تراءت أمامي الكثير من التوقّفات والكثير من التساؤلات بخصوصنا نحن العرب والمسلمون.
بكل تأكيد حينما يتدبّر المرء واقع العرب الحالي لابد وأن يمر بمعاناة الفلسطينيين وسلبهم كل حقوقهم منهم وبكل بربريّة وعنجهية من قبل الصهاينة الذين أخذوا منهم أرضهم وإضطهدوهم وأساءوا إليهم وإلى إنسانيّتهم كبشر.
هنا عبرت أمام مخيلتي أحوالنا كعرب وأحوالنا كمسلمين وقلت في نفسي: لماذا نحن وصلنا هكذا إلى هذا الحضيض الذي نعيشه الآن؟. لماذا نحن هكذا ساءت أحوالنا وأصبحنا مسخرة لبقية شعوب الأرض؟.
نحن عرب، ونحن مسلمون... فهل هي عروبتنا من أوصلنا إلى ما نحن فيه أم هو إسلامنا؟. لابد من التوقّف والتساؤل. لابد من محاسبة النفس ولابد من التحدّث إلى الضمير. لابد من مواجهة أنفسنا بكل تجرّد وبكل جديّة. علينا بأن نواجه أنفسنا بالحقيقة أو الحقائق التي وللأسف نجيد إنكارها ونبدع في التغاضي عنها ونجتهد في التستّر عليها. نحن نكذب على أنفسنا، ونتعامى عن مثالبنا، ونتغاضىى عن أوضاعنا التعيسة بين شعوب العالم. نحن نبدع في الهروب إلى الأمام، ونتقن كل فنون التمويه والخداع حتى لا نواجه الواقع والذي هو واقعنا.
يا أيّها السادة والسيّدات... يا كل العرب والعربيّات... يا كل المسلمين والمسلمات؛ لقد حان لنا بأن نصحى من سباتنا، وأن نتدبّر أمورنا؛ فقد بلغ بنا الضعف والوهن مبلغه، وبدأت تلحق بنا المهانة أينما نذهب وأينما نحل. هل آن لنا بأن نفتح أعيننا لنرى العالم من حولنا؛ فقد شبعنا كذباً على أنفسنا، ومللنا من العيش بقصص الماضي التي وصلتنا مشوّشة ومغشوشة ومليئة بالأكاذيب؟.
دعونا يا أيّها السادة والسيّدات ننظر حولنا، وعلينا في هذه المرّة بأن نحاول رؤية الواقع كما هو بدل العيش في عالم الخيال الذي يبدع شيوخ ديننا في رسم معالمه الكاذبة لنا وأمامنا، بل ويفرضوه علينا.
دعونا نرى ما حولنا ولو لبرهة قصيرة من الزمن... لبضعة دقائق فقط. لنأخذ ما يحدث الآن لأهلنا في فلسطين من قبل اليهود المعتدين كمثال لنا. نحن 22 دولة، لكل دولة علمها وعاصمتها وجيشها وعملتها. بيننا توجد دولة واحدة نقول عنها بإنّها "لقيطة" وهي دولة الصهاينة "إسرائيل". عددنا نحن العرب 377 مليون في مقابل 7 ملايين يهودي. تبلغ مساحة بلداننا العربية 37.5 مليون كيلومتر مربّع، في مقابل 21 ألف كيلومتر مربّع هي كل مساحة الأرض التي تقوم عليها "دولة إسرائيل". تمتلك البلاد العربية 22 جيشاً تبلغ أعدادهم 4 ملايين عسكري وضابط، وتبلغ ميزانيات الدفاع السنوية في كل البلاد العربية 121 مليار دولار. أمّا مجمل الناتج السنوي العربي فيبلغ 6 تريليون دولار.... فلماذا كل تلك الجيوش العربية تقف الآن متفرّجة ولا تستطيع أن تعمل أيّ شئ لنصرة الشعب اللفلسطيني؟. هل سألنا أنفسنا مثل هذه الأسئلة، وهل بحثنا عن إجابات صادقة لها؟.
علينا أيضاً بأن نتذكّر بأن عدد المسلمين في العالم يقترب من 1700 مليون نسمة، ولا أضيّع وقتي هنا للتحدّث عن مساحات البلاد الإسلامية من الأرض ومداخيل العالم الإسلامي السنوية.
من هنا قد يكون من السهل البحث في أسباب هزائمنا، ولماذا نحن مهانين بغض النظر عمّا نمتلك من بشر وخيرات وأراضي؟.
أضع هنا أمامكم مثالاً صغيراً جداً فعساه - أن ربّما - يضع الصورة أمامكم عن واقعنا وأسباب هزائمنا. أتركوا الدين للعبادة، وأتركوا اللغة للتفاهم، وإنتبهوا فقط لأخطائنا كبشر في عالمنا العربي وفي عالمنا الإسلامي.
كنت بالأمس أستمع إلى النشرة الصباحية في راديو 4 التابع للبي بي سي، وكان الخبر عن ما يجري في فلسطين، وما يحدث للفلسطينيين من مآسي على أيدي الجيش الصهيوني. قامت المذيعة بمهاتفة سفير مصر في بريطانيا، وتبيّن لي وأنا أستمع إليه بأنّه لا يتقن اللغة الإنجليزية، وبأن خلفيّته السياسية شحيحة بشكل كبير. كان كل كلامه نظرياً، ولم يقدر على رسم صورة للواقع بسبب جهله في السياسة. بعد ذلك قامت المذيعة بالتحدّث إلى مراسل البي بي سي في فلسطين و"إسرائيل" وهو إنجليزي الأصل والمفصل، وبالفعل ما قاله ذلك الرجل لم يقله أي عربي. تحدّث عن الذل والهوان الذي يتعرّض له الفلسطنيين على أيدي الجيش الإسرائيلي والمستوطنين الصهاينة؛ ثم علّق على كلام السفير المصري بخصوص "العودة إلى محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين" قائلاً: لا أدري عن أية مشاريع سلام نحن هنا نتحدّث؟. قال بأن مشروع السلام الجدي والوحيد الذي أفضى إلى معاهدة أوسلو بين الفلسطينيين واليهود والتي كانت ترتكز على مبدأ مقايضة الأرض بالسلام.. بأن ذلك المشروع كانت "إسرائيل" قد أفشلته بالكامل؛ بل إنّها ألغته وقتلته عن بكرة أبيه، وذلك بأنّها تمددت في كل الآراضي الفسلطينية بعمليات الإستيطان المستمرة والمبرمجة كما قال، والتي كانت في جوهرها ترتكز على تفكير الإسرائليين بتهويد كل الضفة الغربية بعد تهويد كل القدس كما قال. قال أيضاً: حينما ترى الجسور والطرق السريعة تتمدد في كل مكان في الضفة الغربية تظن بأنّها إنما وضعت فقط لتخفيف الإحتقان المروري في "إسرائيل"، ولكن حينما ترى المستوطنات تبنى والمشاريع الزراعية تتمدد؛ تعرف بأن الهدف لم يكن تخفيف الإحتقان المروري، وإنّما قضم الأراضي من الفلسطينيين حتى في نهاية الأمر تصبح كل فلسطين ملكاً لليهود وينتهي الفلسطينيون من الوجود. ذلك هو مراسل البي بي سي الإنجليزي والذي قال كلاماً لم يقل السفير المصري أي منه على الإطلاق.
من هنا، نعرف كيف يفكّر العرب، وكيف يفكّر اليهود... ومن ثم، لماذا نحن ننكص على أعقابنا بينما يعبر اليهود إلى الأمام حتى أنّهم اليوم أصبحوا من بين أقدر بلاد العالم في مجالات الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك