إن غياب المعرفة هو ما يجعلك تؤمن بالسحر وتتأثّر به في حياتك. أن تأثير السحر على الناس هو نفساني بإمتياز، وأن أكبر سحرة العالم سوف لن يسحروا من يثق بنفسه.
إن تأثير السحر هو نفساني ولا يؤثّر السحر إلّا في ضعاف النفوس؛ وأنا أتحدّى أي ساحر في العالم مهما كانت براعته أن يسحرني. إن أي إنسان شرّير يستطيع أن يخرّب بيوتاً، وانت وأنا بوسعنا أن نخرّب بيوتاً لو أننا نزلنا إلى ذلك المستوى الوضيع من التعامل. تأثير السحر على الناس هو نفسانياً بإمتياز، والرجل والمرأة الذان يظنّنان بأنّهما مسحورين يتحوّلا إلى "شكّاكين" في كل شئ، ويدخل المرتعب في هرف Delusion، والهرف هذا يأتي على عدّة أنواع من بينها هرف الشك، وهرف الإضطهاد، وهرف التآمر، وهرف التلبّس... حيث يظن المضطرب نفسيّاً بأن كل العالم من حوله إنّما هو يحيك به ويكرهه ويتأمر عليه. تلك الأنواع من الهرف المتصابي قد تجعل الرجل يشك في زوجته ويجعلها هي تشك فيه، وهذا إن لم يعالج فقد يؤدّي إلى الطلاق. ذلك لا علاقة له بالسحر إطلاقاً وإنّما بالحالة النفسيّة للشخص والتي يمكن معالجتها والقضاء عليها بإستخدام العقاقير المناسبة أحياناً وأحيانا بالعلاج النفسي.
أنا أخصائي مخ وأعصاب؛ وأنا هنا لا أتحدّث بمزاج أو بمجرّد تعنّت أو أبدي وجهة نظري. أنا أمضيت 20 سنة في هذا المجال وكان بالنسبة لي بحراً إستوجب عليّ العبور بكل شواطئه والغوص في أعماقه حتى أفقه ما أعمل. من خلال تعمّقي في المخ وكيف تشتغل الخلايا المخيّة عرفت الكثير والكثير جداً عن تلك الأشياء التي يتحدّث عنها الناس من باب التخوّف منها بسبب عدم المعرفة ومنهم بكل تأكيد "شيوخ الدين" الذين عندما لا يقدرون على تفسير شئ معيّن يرجعونه إلى "الخبايا المخيفة". هناك أنواعاً من الصرع فسّرها شيوخ الدين على أنّها بسبب "الجن"، وكانت غير معروفة حتى عقدين من الزمان. الآن الطب إنتقل إلى الأمام، وأصبحنا اليوم نعرف تلك الأنواع من الصرع ونعرف أسبابها وما إن عرفنا أسبابها حتى عرفنا كيف نعالجها. لا توجد أية أنواع من الصرع ناتجة عن "الجن" على الإطلاق، وكل أنواع الصرع هي حالات مرضية من الممكن السيطرة عليها وعلاجها. هناك أيضاً أنواعاً كثيرة من حلات الإختلال النفسي يظنّها الإنسان سحراً وما هي كذلك، وهناك نوازع نفسانية تصيب الإنسان بسبب لوثات عقلية وأمراض وإلتهابات فيروسية أصبحنا اليوم نعرفها ونعرف كيف نتعامل معها. هناك أشياء يراها الإنسان في خياله، ولغات يتحدثها بدون أن يكون قد قرأها، وأصبحنا اليوم نعرف الكثير عن تلك الظواهر ولا علاقة لها إطلاقاً بالجن أو السحر. هناك أيضاً "الأحلام" التي يفسّرها شيوخ الدين ويتفلسفون حولها، وهي ليست أكثر من ذكريات يسترجعها المخ من حوادث سابقة ينساها الإنسان وتخزّنها خلايا مخّه لتستعيدها بسبب إضطرابات عقلية كنتيجة لأفعال جانبية لبعض الأدوية مثل أدوية مرض الرعيش (الباركنسون) والكثير من حبوب الهلوسة، وبعض علاجات الأمراض النفسية الخطيرة. حينما تعرف أسرار الأشياء تتحوّل عندك إلى أمور مألوفة، وحينما تفتقر إلى المعرفة كل شئ عندك يتحوّل إلى "عالم الغيب"، وذلك ما كان يحدث في العصور الوسطى عند رجال الكنيسة في أوروبا حينما كانوا يظنّون بأن الشمس هي من يدور حول الأرض، وعلى أن الأمراض هي "لعنة من الله" للبشر كعقاب لهم على فعل الخطايا. رجال الكنيسة في إسبانيا الكاثوليكية في عام 1918 أثناء جائحة "الإنفلونزا الإسبانيّة" قالوا بأن سبب ما يحدث للناس والسرعة التي تنتشر بها الجائحة بين الناس هو إلتهاء الناس بالمصالح الدنيوية ونسيانهم لعبادة الله ومن ثم فإن الله يعاقبهم بما يحدث لهم. وطالب بالفعل القساوسة في أغلب المدن الأسبانيّة من الناس حينها بألا ينتبهوا إلى آوامر الحكومة"الكافرة" بلبس الكمّامات والبقاء في البيوت وعدم الإختلاط؛ وأن يخرجوا عن الطوق ليذهبوا إلى الكنائس يوم الأحد بمجاميع كبيرة ليبتهلوا إلى الله بأن يخفف عنهم هذا "العقاب الإلهي" من خلال "التوبة النصوحة". بالفعل خرج الناس عن الطوق، وخالفوا آوامر الحكومة ليستجيبوا إلى دعوات "شيوخ الدين" عندهم (القساوسة) فتكدّسوا في الكنائس في يوم أحد شهد إصابة كل من إرتاد الكنيسة بوباء الإنفلونزا، ونعرف بأن ذلك الوباء كان قد أصاب 500 مليون من البشر في جميع أنحاء العالم، مات منهم 50 مليوناً؛ وأغلب تلك الإصابات الكبيرة كانت بسبب عدم إنصات الناس لآوامر الحكومات وإستماعهم لشيوخ الدين بدل ذلك من خلال الذهاب إلى الكنائس بهدف الإستغفار والطلب من الله بأن يخفف غضبه عنهم وإنتقامه منهم.
ذلك عندما يجهل المرء كنه الأشياء فبدل أن يقول لا أعرف ويترك من يعرف ليتحدّث، نجد "الجهلة" يفتون بما لا يعرفون، فتكون فتاويهم مبنية على ذلك الجهل الذي هم أنفسهم لا يستدركونه.... ليلتكم سعيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك