العرب يحكمون بأنظمة حكم مطلقة وشموليّة لا تعترف بإرادة الشعوب ولا بحقوقهم.... لا تعترف بالديموقراطيّة. حكّام يحكموننا بإرادة وحماية غيرنا؛ الذين يحمونهم منّا نحن شعوبهم. حينما يحمي لك عرشك غيرك ومن شعبك، فماذا تنتظر من غيرك أن يقدّم لك؟. غيرك الذي يحميك من شعبك لا يحميك بدون ثمن، والثمن هو كرسي حكمك وللأسف؛ لكنّك أنت(الحاكم) تجهل ذلك، ومن ثم فهم يستغلّون جهلك بفرض شروطهم عليك حينما يرون ذلك مناسباً لهم.
الأنظمة الوراثيّة هي بصفة عامّة تعتبر من مخلّفات الماضي حينما كان الناس يحكمون بدون مشورتهم، وكان من يحكمهم يفرض نفسه وأسرته عليهم بدون أن يكون لهم أي رأي أو تأثير في موضوع وراثة الحكم من حيث من ومتى وكيف.
بعد أن خرجت البشرية من عهود التخلّف والقبول بالأمر الواقع؛ عرف الناس أنّه بمقدورهم المشاركة في الحكم وأن لهم القدرة على فرض ذلك. إكتشف البشر بأن لديهم قوى لم يكونوا يعرفوا عنها، وبأنّ لهم تأثيرات لم يقدروا على الشعور بكمّيتها ولا بكنهها ولا بفعاليّتها.
هناك من بلاد العالم من تمكّنت من نفض غبار الجهل والتخلّف عنها فنظرت إلى الأمام وسعت لتغيير أنماط حياتها، وهناك من بقى مغمض العينين وحبّذ العيش بمعطيات الماضي فلم يقدر على التغيير؛ وبذلك إٍستمر يعيش بما يقذف إليه بدل أن يختار لنفسه ما يلائمه ويتوافق مع رغباته وأحلامه.
أنا هنا أتحدّث عن عالمنا العربي والإٍسلامي وعن عوالمهم الأخرى. هم نظروا إلى الأمام فتمكّنوا من تغيير أنماط حياتهم وساروا في طريقهم التي رسموا معالمها بأنفسهم، ونحن بقينا ننظر إلى الوراء، وحافظنا على أبجديات الماضي؛ فحكمنا من كان يحكمنا وبقينا نحن محكومين كما كان أسلافنا.
في عالمنا العربي والإسلامي، نحن نرضى بما يقذف إلينا ولا توجد لدينا طموحات الحرية؛ فنحن لم نذق طعم الحريّة ولم يحدّثنا عنها أجدادنا. بقينا نحن يتوارث علينا حكاماً جاهلين ومتخلّفين لكنّنا لم نقدر على تغييرهم أو حتى إنتقادهم؛ فحكمونا بسلطات مطلقة. نحن تحكمنا أسر، وتسيطر علينا عوائل ولا نقدر أن نقول لهم "كفى" لأنّنا فقط لا نملك الوعي، وليس ذلك لأنّنا نفتقد إلى الشجاعة.
نحن العرب والمسلمون لا نختار حكّامنا حتى وإن كنّا نشارك في مسلسلات التناوب على السلطة من خلال إنتخابات مزيّفة، وإن نحن نجحنا في جعلها حقيقية وشفّافة فسوف يخرج علينا من يلغيها بعد خروج نتائجها، ونجد نحن أنفسنا إمّا أننا نبارك من قام بالإلغاء أو أنّنا ربّما ننسحب من الساحة ونتركهم يفعلون ما يريدون.
من خلال هذا السيناريو نجد أنفسنا نحن العرب والمسلمين نقف في آخر طوابير الشعوب الأخرى ونرضى بتوفير الخبز لأنّنا لا نعرف طعم الحريّة، ولآنّنا عندنا تموت الأحلام في مهدها. فنحن إن سمحنا لأحلامنا بأن تتحوّل إلى حقيقة فسوف نجد من يقتصّ منّا، ومن يقتصّ منّا ينتصر علينا بالإستعانة بغيرنا من أولئك الذين لا يحبّوننا أو على الأقل يتنعّموا بمخرجات عبوديّتنا.
من هنا نجد أنفسنا وللأسف نتفرّج على مآسينا، ونلعق هزائمنا، ونحبوا على ركابنا ولا هم لنا غير ملء بطوننا بما يقذف به حكّامنا إلينا. بسبب تخلّفنا نرى بلداننا تتحول إلى مراتع لغيرنا، وحكّامنا يصبحون مسخوراً بهم ومضحكاً عليهم من قبل أولئك الذين يحمون عروشهم منّا... نحن شعوبهم.
أخيراً إلتحقت المغرب بركب التطبيع مع الصهاينة والثمن الذي تقاضته المغرب كان من جلدها. أعيد للمغرب ذيلها بعد أن أشترط عليها من يحمي عرش حكّامها بأن تطبّع مع عدوّها. كذلك فعلوا مع السودان، التي فرضوا عليها حصاراً ظالماً بهدف رفعه فيما بعد بثمن... وكان الثمن الإعتراف بدولة الصهاينة. كان نفس الوضع مع حارة الإمارات، ومع خيمة عمان والبحرين، وسوف يكون نفس الوضع مع السعوديّة. وسوف يكون نفس السيناريو مع كل دولة عربيّة بعد ذلك؛ فهم عرفوا الآن كيف يخضعون حكّام العرب ويفرضوا عليهم الشروط بدون أن يقدر أي منهم على الإعتراض. سوف يكبّلون ليبيا بشروط بإسم الأمم المتحدة، وسوف يعيدوا على حكّامها مسلسلات "الحصار" التي كانوا يفرضونها على نظام معمر القذّافي مع معرفتهم بأن القذّافي لم يكن يحكم بإختيار أو رضى الشعب، وحينما ثار الشعب على نظام حكمه فإن ذلك يعني فقط... إنتهاء نظام حكمه بكل ما له وما عليه. هذا الكلام سوف يطبّق على سوريا، وعلى العراق، وعلى الجزائر، وعلى تونس حتى يفرض الإعتراف بدولة الصهاينة على كل الحكّام العرب.
هناك نقطة صغيرة وتبدو لهم خافته فعليهم أن يعوها. لقد إعترف السادات بدولة الصهاينة، وإعترف الحسن بن طلال بدولة الصهاينة ولكن لم يجد الصهاينة مآوي لهم بين الشعب المصري ولا بين الشعب الأردني. ذلك ما سوف ينتظره الصهاينة من شعب أية دولة عربيّة يقيم حكامها معهم علاقات؛ فالحكّام عندنا لا يمثّلون الشعوب، وشعوبنا لا تقدر على أن تختار حكّامها لأنّنا نحن يحكمنا "الحقراء" من بيننا ولا نقدر على تغييرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك