لابد لكل منّا من أن يعود إلى الوراء، ليس بهدف العيش في ذلك الزمان، وإنّما فقط من أجل التذكّر والإعتبار وتعلّم الأخطاء بهدف تصحيح المسار. إن العبور إلى المستقبل لابد له وأن يكون على قاعدة تصحيح أخطاء الماضي، وبهكذا تنتقل الحياة إلى الأمام بأمان وسلام ووئام. (كتب هذا الموضوع على الفيسبوك بتاريخ 24 مايو 2020)
أوّلاً... عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بألف خير. لابدّ لليبيا من أن تعود إلى أهلها الطيّبين، وسوف تعود بكل يقين بإذن الله المعين.
أريد هنا أن أعود من جديد لأذكّر كل الغافلين وكل المتغافلين وكل الناسيين وكل الذين غُسلت أدمغتهم وأصبحوا من المغفّلين. أقول لهم من جديد، بأنّ مشاكل ليبيا كانت قد بدأت في عام 2011 والتي كان قد بدأها هم تجّار الدين العائدين من أفغانستان ومن أوروبا ومن بلد الحرمين، وكان ذلك قبل أن يدخل في الساحة جهابذة جماعة "الإخوان المسلمون" المحترفين. كان تجّار الدين وطغاته هم من إستحوذ على ثورة الشباب، لكنّهم "لغبائهم" أولئك لا يعرفون السياسة ولا هم في الحكم يفقهون. لو تُركت لتجّار الدين لكانوا كشفوا عوراتهم للناس ولكانوا من الخاسرين، لكنّهم سرعان ما - وبسهولة - فقدوها لجماعة الإخوان المسلمين.
"الإخوان المسلمون" في ليبيا كانوا حينها مالبثوا أن فكّوا إرتباطهم بالطاغية معمّر القذّافي بمجرّد أن "عرفوا" بأنّ نظامه كان قد إنتهى، ونتذكّر - أو لأذكّركم - بالمتصابي الدكتور علي الصلّابي والذي ظلّ يراوح بين هنا وهناك وحتى شهر يونيو عام 2011 حينما عرف عندها بأن القذّافي كان قد إنتهى وبأن إبنه سيف لم تعد له سلطة، ولم يعد مسئولاً عن "ليبيا الغد" !!. حينها تحوّل الصلّابي إلى منظّر في الثورة بل ومن القائمين بها. حينما تأكّد "الإخوان المسلمون" بأن نظام القذّافي كان قد إنتهى ولم تعد له إمكانية على الإطلاق في العودة إلى الحكم... حينها دخل الإخوان بكل قوّتهم في أتون الثورة وسرعان - بحذقهم وخداعهم وبأموال قطر- ما تحوّلوا إلى "أبطال" فيها وهو ما مكّنّهم من تقدّم صفوف "الثوّار" وفي لمحة برق أصبح قادة الإخوان هم قادة الثورة ومنظّريها والمسيطرين على مجرياتها.
سيطرة الإخوان على مجريات الأحداث في ليبيا كانت قبل نهاية عام 2011، وقبيل خطاب التحرير المشهور في أكتوبر من تلك السنة حيث كان وجودهم واضحاً في مكوّناته كما يعرف الكثير منكم. كانت ماكينة الدعاية الإخوانية في تلك الأثناء قد بدأت تبث سمومها على المجتمع الليبي، وكان قساوسة الدين قد تخلّفوا إلى الكواليس الخلفية حيث تغلغلوا في المجتمع الليبي وأخذوا بكل شراسة ينشرون أفكارهم الرجعية والمتخلّفة والتي تستمد منطلقاتها من الفكر الوهابي السعودي والتي كما نعرف ترجع إلى المذهب السلفي الذي كان قد رفض من قبل المسلمين لأكثر من ثلاثة مرّات منذ بدايات الإسلام الأولى بعيد وفاة الرسول عليه السلام.
إن إنسحاب طغاة الدين إلى الخلف هو وحده من مكّن "الإخوان المسلمون" من المسك بمقتضيات الأمور في بلادنا وذلك بكل تأكيد مكنّهم من البدء في مشروع "التمكين" الذي يرتكز عليه تفكير الإخوان ومنهاج تنظيمهم.
حينما عبرنا إلى إنتخابات عام 2012 كان الإخوان ومن خلفهم طغاة الدين الآخرين يظنّون بأنّهم كانوا بالفعل قد تمكّنوا من غسل أدمغة الكثير من الليبيين والليبيات بما عرف حينها ب"الصحوة الإسلاميّة"، وبالفعل فإن الكثير من أبناء وبنات الشعب الليبي بما فيهم أولئك الذين يحملون الشهائد الجامعية العليا والكثير من المهنيين مثل الأطباء والمهندسين وحتى بعض كبار التجّار والكثير من رجال الأعمل كانوا قد أثّرت فيهم دعاية الإخوان وبراعتهم في الكذب والنفاق. كان جماعة الإخوان "يقينيّا" يظنّون بأنّهم سوف يفوزون بنصيب الأسد في تلك الإنتخابات ومن ثمّ فهم "وحدهم" من سوف يسيّر الحياة السياسية والإجتماعية والمالية في ليبيا.
كانت - كما نعرف - نتائج تلك الإنتخابات مخيّبة وبشكل مفاجئ لكل تطلّعات الإخوان ومن ورائهم كل التنظيمات الدينيّة، ومن هناك... من هناك......من هناك بدأت مشاكل ليبيا.
إن أساس مشاكل ليبيا وكل ما حدث في بلادنا من أعمال شغب وفوضى وتلك المحاولات الجدية لتدمير أسس الديموقراطية في ليبيا وهي مازالت وليدة هم جماعة "الإخوان المسلمون" ومن خلفهم بقية الجماعات الدينية وفي واجهتهم أدعياء الثوريّة من حملة السلاح والذين عرفناهم بالمليشيات المسلّحة. إن الذي دمّر مشروع الدولة المدنيّة في ليبيا هو بكل صراحة ووضوح "الجماعات الدينيّة" بكل طوائفها وتنظيماتها ومراتبها، وكان الجسم المحرّك فيها هو "الإخوان المسلمون" بإعتبار أنّهم من أكثر تلك الجماعات تفتّحاً وثقافة وبكل تأكيد ثراء وخبرة.
كان أوّل وأهم عمل قامت به الجماعات الدينية هو تدمير الجيش من أساسه ومنع إعادة تشكيله بأية وسيلة ومهما كان الثمن. إن وجود الجيش الوطني الحقيقي والممتهن هو ما يخيف الجماعات الدينية بكل طوائفها، ونحن نعرف يقيناً أن عقدة الإخوان المسلمون هي "الجيش". من هناك يا سادة ويا سيّدات يا أبناء وبنات ليبيا كانت مشاكلنا في بلادنا قد بدأت، ومن هناك كانت قد تفاعلت، ومن هناك كانت قد تفاقمت.
لم يكن عندنا حينها أيّ جيش، ولم يكن حينها يتواجد بيننا شخصاً إسمه خليفة حفتر؛ وكانوا هم من إجتهد وبكل شدة وجدية لمنع تكوين أيّ جيش في ليبيا، وتشكّلت في البداية "كتائب الثوّار" ثم تلاها مشروع "الحرس الوطني" ثم خرجت علينا من بعدها "قوّات الدروع" والتي كانت أقواها "دروع الوسطى" - التابعة لمصراتة - من حيث العدد والكفاءة القتالية والتجهيزات العسكرية، حيث كان يُقدّر عدد المقاتلين الفعليين في هذه الدروع بحوالي 25 ألف مقاتل؛ وكانت تمتلك ما يزيد عن 3500 سيارة مجهّزة بمضادات للطائرات، وراجمات للصواريخ؛ وما يزيد عن 200 دبابة.
بعد ذلك كانت غرف عمليات ثوار ليبيا؛ وهي "ميليشيا مسلحة" ذات "توجّهات إسلامية"، تأسّست في يوليو 2013، بقرار من رئيس المؤتمر الوطني حينها السيّد نوري بوسهمين، وتشكّلت من مجموعة ميليشيات كان أغلب منتسبيها من "الّثوار" المسلّحين الغير منضبطين عسكرياً أو أمنيّا. وكانت تلكم المليشيات "الثوريّة" - لمن نسى - هي من قامت بخطف رئيس الوزراء "علي زيدان"، وكادت أن تقتله لولا تدخّل الوسطاء. ويقدر المراقبون أعداد عناصرها بالآلاف من مسلحي المنطقة الغربية والوسطى من ليبيا. ويتوجّب علينا بألّا ننسى كتائب شورى الثوّار في بنغازي، وكتائب الدروع في المنطقة الغربيّة.
وبعدها فقط وفقط بعدها - لمن نسى - وتحديداً، في 16 مايو 2014، عرفنا بوجود السيّد خليفة حفتر الذي أعلن وقتها عن إطلاق "عملية الكرامة" في بنغازي، ومن ذلك الوقت فقط بدأ اللواء حينها خليفة حفتر في تشكيل نواة الجيش الوطني الليبي.
أمّا على الجانب السياسي، فإنّ "الإسلاميين" كانوا قد لعبوا دوراً كبيراً في إقالة السيّد علي زيدان، وذلك بتوافق (تآزر) حزب العدالة والبناء(الإخوان) وكتلة الوفاء للشهداء، الذين لم ينجحوا في الوصول إلى رئاسة المؤتمر الوطني، ولا حتّى حصلوا على منصب النائب الأول بالمؤتمر، ولم ينجحوا في الحصول على رئاسة الوزراء عبر مرشّحهم "عوض البرعصي"، ومن ثمّ كانت عمليّة "فجر ليبيا" في يوليو 2014 حيث تم القضاء على آخر أشكال "الدولة المدنية" في ليبيا، ومن حينها، تم قتل مشروع الديموقراطية في ليبيا وهو مازال طريّ العود وحديث العهد.
أعتقد بأنّني وضّحت لكل غافل أو متغافل من هي الجهة التي دمّرت مشروع "الدولة المدنيّة" في ليبيا، ومن هنا قد نرى من العقل والمنطق والواقعيّة أن يقوم الجيش الوطني بالسيطرة على كل التراب الليبي، ومن بعدها فقد.... وقد... وقد نتمكّن من العودة إلى صناديق الإقتراع من جديد؛ ومن هناك يمكننا حماية الديموقراطيّة من أعدائها "الإسلاميين" بجميع تشكيلاتهم وطوائفهم؛ وهم الذين لا يمكن لهم إطلاقاً القبول بالنظام الديموقراطي من باب الخوف بأن الديموقراطية قد تأتيهم بحاكم "غير مسلم" وذلك - عندهم - لا يمكن قبوله على الإطلاق. ويحق لنا هنا أن نتساءل: ومن أين لهم بالحاكم "الغير مسلم" ومن أين قد يأتي به الناخبون، ومن هو ذلك "الليبي" الغير مسلم الذي قد "يحكم ليبيا" من خلال صناديق الإنتخابات والديمقراطية الحقيقيّة؟.... فكّروا في الإجابة حتّى تتكشّفوا على آكاذيبهم وخزعبلاتهم.
عيدكم مبارك وسعيد، ورجائي بأن تسامحوني على الإطالة، لأنّني بصراحة لم أتمكّن من التوقّف عن كتابة الحقائق التي إعتقدت بأنّها مهمّة جداً خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا الآن. أعيد وأقول وأشدد القول بأنّ الإنتقال إلى الأمام ببلادنا سوف لن ولن يكون خارج الأسس الديموقراطية السليمة، وتلك بكل تأكيد تحتاج إلى جيش وشرطة وجهاز قضاء وصحافة حرّة. هناك وهناك وهناك فقط يمكننا بناء "الدولة المدنيّة"، ورجائي بألّا تستمعوا إلى "المنافقين" من تجّار الدين وعلى رأسهم ذلك التنظيم المخادع والكذّاب تنظيم "الإخوان المسلمون"..... حيّاكم الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك