حينما يجنح الشخص العادي نقول بأنّه جنح وعلينا بأن نعلّمه أو نوضّبه أو نعاقبه، أمّا أن يجنح رجل الدين وتحت مظلّة التديّن وبإسم الله فإنّ ذلك يعد كارثة إنسانيّة قبل أن يكون مخالفة دينيّة.
شيخ دين باكستاني أثبتت كل التحقيقات على أنّه كان متورّطاً في الإغتصاب
تقول وكالة "الإسوسيتد برس" في تقرير سرّي لها من الباكستان نشر في شهر نوفمبر 2017 بأنّه لا تكاد تخلو "مدرسة" في باكستان من حالات إغتصاب لبنات أو بنين في عمر الزهور. عمليّات الإغتصاب هذه تتم في مدارس تحفيظ القرآن، وكذلك في المدارس التي تنفق عليها الجماعات الدينية من أموال الزكاة والوقف الديني والصدقات التي لا تخضع لمراقبة الحكومة ولا تخضع لأيّ نوع من المحاسبات الرسميّة أو حتى غير الرسميّة.
أم مكلومة مع وليدها المغتصب من قبل شيخ الدين الذي كان يعلّمه القرآن
تقول "الأسوسيتد برس" في تقريرها الصحفي، بأن تتبّع حالات الإغتصاب السريّة في باكستان - والتي قامت الشرطة بتنفيذ أغلبها - بيّنت على أن هذه الظاهرة هي منتشرة وبشكل كبير جدّاً في تلك المدارس التي تشرف عليها التنظيمات الدينيّة، وبأن الضحايا هم من صغار السن من البنات والبنين. الملفت للإنتباه أن هذه الظاهرة هي منتشرة في المدارس الدينية في القرى وفي المدن على حد سواء، مع أنّها ربما تكون أكثر إنتشاراً في المناطق القرويّة والأرياف حيث يعيش الفقراء الذين لا يستطيعون إرسال أبنائهم وبناتهم إلى المدارس الحكوميّة ومن ثم يرسلونهم بدل ذلك إلى المدارس الدينية التي تتكفّل بتعليمهم والإنفاق عليهم، كما أن الكثيرمن تلك المدارس تفتح عنابر للإقامة الداخلية لأولئك الذين لا يستطيع أهلهم توفير وسائل نقل لهم؛ وهم ربّما الأكثر تعرّضاً للإغتصاب الجنسي من قبل شيوخ الدين والدعاة الذين يقومون بتدريسهم وإعالتهم مقابل "سكوتهم" على ما يصيبهم.
"المدرسة"... مدرسة تحفيظ القرآن، هي البيئة المناسبة لشيخ الدين كي يصطاد من خلالها فرائسه
الوكالة تستمر في تقريرها بأن هذه الظاهرة تعتبر في باكستان من الأمور المسكوت عليها لأن ثقافة المجتمع لا تسمح بتوارد هذه الأخبار على العلن، ولأن طغيان رجال الدين هو أكبر من إرادة الأهالي. كذلك فإن الفقر يلزم العائلات بالسكوت على ممارسات هم يعرفونها، والكثير من أطفالهم يسكتون عليها خوفاً من بطش رجال الدين وإنتقامهم ليس من الأطفال بل من أسرهم.
تقارير الجهات الإعتبارية في الباكستان تؤكّد على وجود عشرات الألاف من تلك الممارسات الشنيعة في حق الأطفال من قبل رجال الدين. وتقول منظّمة ساهل Sahil الخيريّة والتي تعمل جاهدة على تنظيف الباكستان من هذه الممارسات الشنيعة في حق أطفال أبرياء من قبل رجال دين يفترض بأنّهم يكونوا قدوة لهم في عمل الخير والإبتعاد عن ممارسات قبيحة ووقحة وينهى عنها الدين بكل قوّة. من بين الحالات المسجّلة عند "ساهل" توجد براهين ووثائق تؤكّد إغتصاب 365 طفل وطفلة من قبل رجال الدين، مع أن "ساهل" تؤكّد بأن الأعداد الحقيقية تتجاوز عشرة أضعاف هذا العدد، وتعتقد وكالة "أسوسيتد برس" بأن العدد قد يتجاوز 2 مليون طفل وطفلة في عموم الباكستان. غير أن تلك الممارسات تمر بعيداً عن المنظّمات الإنسانية والإجتماعية، وبعيداً عن محاضر الشرطة حيث تنتشر في باكستان ظاهرة "جبر الخواطر" والتي تدفع فيها أموالاً لذوي المغتصبين والمغتصبات مقابل سكوتهم "ومسامحتهم" للفاعلين بهدف إسقاط الألاف من القضايا وقبل وصولها إلى الجهات الحكوميّة. كذلك، فتنتشر في باكستان أيضاً ظاهرة "صون الشرف بالقتل" Honour Killings بهدف إنقاذ شرف العائلة، ويتم ذلك بقتل المغتصب حينما تخرج الأخبار للعلن حتى تتفادى
الأسرة "الخجل المحبط" والذي يؤدّي بها في النهاية إلى العزل الإجتماعي.
من هنا تبدأ القصّة ومن هناك تنتهي
في عام 2019 بلغ عدد الأطفال المغتصبين جنسيّاً من قبل شيوخ الدين ما مجموعه 2846 طفلاً وطفلة في معظم مقاطعات باكستان الكبرى، وتقول منظّمة "ساهل" بأن هذا العدد هو أقل بكثير من عدد الحالات المسجّلة في العام الذي سبقه، حيث بلغ عدد الحالات المسجّلة في عام 2018 ما مجموعه 3832 حالة إغتصاب. وتقول "ساهل" في تقريرها بأن 54% من المغتصبين هم من البنات، 46% من الأولاد والأعمار تتراوح ما بين 6 إلى 15 سنة.
وحينما سألت زميلي الباكستاني في جراحة الأعصاب - وهو إنسان صادق ويمكن الإعتماد على إفادته - عن هذه الظاهرة بينما كنت أقرأ تقريراً حديثاً في عام 2020؛ قال لي بأن إغتصاب الأطفال من قبل شيوخ الدين الملتحين في باكستان هي ظاهرة حقيقيّة ومقيته، لكنّ الدولة مازالت تعاني من صعوبة كبح قوّة ونفوذ رجال الدين في التحفّظ على الحالات الواقعة، وفي ترهيب الأباء بالعقاب الصارم إن هم أبلغوا عن أية حالة إغتصاب جنسي في المدارس الدينيّة. وقال لي: بأن حكومة "عمران خان" هي ربّما أوّل حكومة مدنية في باكستان متحرّرة من سيطرة رجال الدين، وهي تعمل جاهدة وبكل ذكاء على تحييد قوة ونفوذ رجال الدين في الدولة الباكستانية ومن بعدها فرض سلطة الشرطة ورجال القضاء بحيث يمكن جلب رجال الدين للمحاكمة الأمر الذي ليس من السهولة إجراءه الآن. وقال لي: إن أبر نفوذ لرجال الدين كان في عهد "برويزمشرّف" الذي كان يستمد سلطته ونفوذه من دعم رجال الدين (الملالي) مقابل عدم متابعتهم أو مساءلتهم في شئون تخصّهم مهما كانت فضاعتها.
وتقول الفاتيكان بأن الكنيسة الكاثوليكيّة تتكوّن فيها سلطة عليا من أساقفة رجال الكنيسة تكون مهمّتهم محاسبة كل رجال الكنيسة فى أية ممارسات مشبوهة، بينما لا توجد مثل هكذا هيئات تحاسب رجال الدين في باكستان؛ وبذلك تمر أغلب ممارسات شيوخ الدين بدون محاسبة ولا مراقبة ولا حتى الإشارة إليها في الصحافة إلّا ما ندر، وأكّد زميلي جرّاح الأعصاب ذلك التقرير من الفاتيكان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك