كلّما حاول الإنسان أن يخفي الحقيقة كلّما إكتشف عقله الباطن بأنّه يكذب. قد يكذب المرء على غيره وتلك يمكن فهمها، أمّا أن يكذب الإنسان على نفسه فتلك تعتبر بكل المفاهيم مرضاً ليس من السهل علاجه. ليس هناك أكثر جدوى من مواجهة الواقع وقول الحقيقة لنفسك ولغيرك حتى لا تظلم نفسك ولا تظلم الأخرين.
كانوا يلقّنونا منذ نعومة أظافرنا بأن أجدادنا بلغوا الهند والسند وأنشأوا حضارة عجزت عن تحقيق مثلها غيرنا من شعوب الأرض. كانوا يقولون لنا بأنّنا أنقى أمّة وأطهر بشراً على الأرض، وكانوا يحدّثوننا فقط عن الجيّد والرائع والجميل مع الكثير من المونتاج والإخراج والتجميل والتطبيل. كانوا يرسموا لنا صوراً من خيالاتهم ولكن لجهلنا حينها ولندرة أو منع الرأي الآخر كنّا نصدّق كل ما يقال لنا حتى أننا كبرنا على تصديق كل ما كنّا نسمعه، ونشأنا على عدم الإستماع إلى غيرنا الذي يحاول دوماً أن يرينا الوجه الآخر للحقيقة الذي كان أجدادنا الأولين يطمسون معالمه عنّا ولا يتحدّثون عنه حتى أننا ترسّخت في عقولنا وفي مفاهيمنا ثقافة أحاديّة ظللنا نعتقد بأنّها هي الحقيقة.
تلك لم تكن وللأسف هي الحقيقة، أو على الأقل لم تكن كل الحقيقة، وما أخفوه عنّا كان يحمل بين طياته الكثير والكثير من سيئات ومساوئ من سبقونا وممارساتهم الرديئة إن لم أقل السيئة التي تم إخفائها عنّا أو تمّت التعمية عنها بهدف إخفائها أو إبعادها أو السكوت عنها حتى لا تنتقل إلينا وقد لا يكون السبب حينها متعمّداً وقد تكون الأسباب حسنة، وقد تكون بعض من ثقافة ذلك الزمان.
المهم في الأمر أنّنا اليوم في أمسّ الحاجة لأن نبحث بأنفسنا عن الحقيقة... عن الحقائق، وأن نزيل ستار "القدسيّة" عن الكثير من أولئك الذين كانوا ينتمون ل"سلفنا الصالح" الذي أضهروه لنا وكأنّه ملاك بل أسبغوا عليه "القدسيّة" حتى لا نعيد النظر في مسار حياته بهدف البحث عن تلك الخفايا التي ظلّت خفيّة عنّا حتى يومنا هذا. لقد عرفنا اليوم ولكن بعد الكثير من الجهد والعرق والبحث في خفايا الكتب بأنّه لا عصمة لغير الله، وبأنّه لا يوجد مخلوق معصوم عن الخطأ ماعدا الملائكة الذين لا يفعلون أي شئ لم يأمرهم الله بفعله ومن ثم فالملائكة هم بالفعل يأخذون عصمتهم من عصمة خالقهم وبذلك يكونوا هم وحدهم ووحدهم فقط من الخلق الذين يستحقّون لقب العصمة.
المهم أن الذي دفعني لكتابة هذه المقدّمة هو قراءتي هذا الصباح لخبر أن علماء ناسا الأمريكية بدأوا "عن بعد" في إصلاح أعطال في مركبة فضائية إسمها Voyager 2 أو الرحّالة 2 والتي كانت قد أرسلت للفضاء البعيد في عام 1977 لتلتحق بسابقتها الرحّالة 1 والتي كانت قد أرسلت قبلها بغرض التعرّف على المزيد من أسرار الفضاء.
المركبة المعنيّة بالإصلاح عن بعد هي بالفعل بعيدة عن الأرض بمسافة 10 مليار ميل. ... أي عشرة ألاف مليون ميل عن الأرض ويمكنكم تحويلها إلى كيلومترات لتعرفوا كم هي بعيدة عنّا !!.
المهم أن تلك العربة فسد من معدّاتها الإلكيترونيّة الآن 8 معدّات مهمّة جداً من بين العدد الكلي من معداتها المزوّدة بها وهي 10 معدّات غاية في التعقيد والحساسية من الناحية التقنية. علماء ناسا على الأرض عرفوا أيضاً بأن بطاريات الشحن هي بدورها بدأت في الوهن والضعف وقد تفقد قدرتها على الشحن الكهربائي، وسوف يقومون من الأرض بإصلاح كل تلك الأعطال وتحديث العربة بحيث تكمل مهمّتها.
أولئك هم "الكفرة" والذين مصيرهم نار جهنّم كما تقول لنا كتبنا الصفراء التي ورثناها عن أجدادنا الأفذاذ. أولئك "الكفرة الفجرة والمثليّون" هم من نراهم يبدعون في كل يوم، ويصنعون لنا كل ما نأكل وما نشرب وكل ما نستخدمه في حياتنا اليومية ونحن مازلنا وللأسف نلوّك ثقافتنا التي ورثناها عن أناس عاشوا لأكثر من 1000 سنة سبقتنا. هم يبحثون عن التجديد ونحن نصر على المحافظة على تراثنا القديم ونصر على عدم البحث فيه حتى لا يدخل الشك في إيماننا... وسوف نظل هكذا إلى أن نصبح توابع لغيرنا وحينها قد نتنكّر لكل ما قيل لنا.... وربنا يستر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك