التاريخ في حقيقة الأمر لا يمكنه أن يعيد نفسه... وإن فعل، فإنّه يفعل ذلك بالكثير من التحوير الذي قد لا ينتبه إليه الكثيرون. الحياة لا يمكنها إلّا وأن تسير إلى الأمام، وما تشابه الأحداث إلّا من نافذة التشابه وليس من باب التكرار.
أعتقد بأن التاريخ كان قد بدأ بالفعل يعيد نفسه في ليبيا، وبأنّنا بالفعل قد أصبحنا الآن مقبلين على مشاهدة وملامسة نفس السيناريو أثناء ثورة فبراير عام 2011.
الكثير منّا في ليبيا ربّما يتذكّر تلك الأيّام العصيبة في فبراير 2011 عندما كان الطاغية القذّافي يسيطر على كل ليبيا وكانت قوّات حمايته تترقّب الأحداث عن كثب بعدما حققت ثورة الشباب في كل من تونس ومصر أهدافها المبدأيّة بالتخلّص من أنظمة الحكم الديكتاتوريّة، وبدأ الناس في تلكما الدولتين يتنفسّون الصعداء ويجنون ثمار كل تلك التضحيات الغالية والنفيسة وذلك بكسر عقدة الخوف والخروج على أجهزة حكم قمعيّة لا تعرف الرحمة ولا تحترم شعوبها.
الكثير منّا يتذكّر كيف بدأت أوّل شرارة للخروج على نظام الطاغية القذّافي في مدينة بنغازي يوم 15 فبراير 2011، وحينها لم يكن في الحسبان تحقيق أي نصر على الطاغية وقوّات قمعه التي كانت جاهزة للفتك بكل من يحاول أن يفتح فمه حتى بمجرّد كلمة نقد.
ولكن إرادة الله كانت أكبر من تسلّط الطغاة، وبالفعل تمكّن الشعب الليبي من القضاء على نظام ذلك الطاغية الغبي والمتعجرف معمّر القذّافي. لقد بدأت الشرارة الأولى في بنغازي ومنها إنطلقت بسرعة إلى غرب ليبيا حيث تلقّفتها جماهير الزنتان بكل شجاعة وبدأت الدائرة تدور حول نظام حكم الطاغية وأخذت ليبيا تتحرّر من شرقها إلى جنوبها إلى جنوب غربها إلى شمال غربها... ومن هناك على مناطق الساحل نحو العاصمة مروراً بزوارة ثم صبراته ثم الزاوية ثم طرابلس في نفس الوقت الذي كانت تأتي فيه جماهير الشباب الثائرة من جهة الجنوب الغربي نحو غريان ويفرن وبني وليد وكل العيون كانت تتجه إلى العاصمة، وتمكّنت الجماهير المتعطّشة للحرية من دخول العاصمة وكانت المفاجأة الكبرى.... تحرّرت العاصمة بدون قتال وبدون مواجهات وبدون تكسير وتدمير. نعم، لقد تحرّرت العاصمة محتفظة بكل زينتها وبكل ممتلكاتها وبكل سكّانها، وما إن تحرّرت العاصمة حتى تحرّرت كل ليبيا. أما الذي حدث بعد ذلك فكان هو مبعث الفكرة التي وددت نشرها لكم اليوم فعساكم أن تتفاعلوا معها بما يجب.
نعم، لقد إستحوذ الحقراء على ثورة الشرفاء، ونعم لقد دخلت ليبيا في نفق مظلم بعد تلك الثورة المظفّرة والتي تحدّث عن قوّتها ونجاعتها كل العالم حينها. دخلت ليبيا بعيد تلك الثورة الرائعة في أوضاع كانت أكثر تعاسة وكآبة من تلك التي كانت في عهد الطاغية القذّافي، ولا يمكن لأي عاقل متابع لما حدث في ليبيا منذ عام 2014 وحتى الآن أن يتغافل كم الخراب والدمار والسرقة لكل ممتلكات ليبيا وأن يتجاهل حجم الظلم الذي لحق بالشعب الليبي نتيجة إستحواذ الحقراء والطامعين على مقاليد الحكم فيها.
إن ما حدث في ليبيا عام 2011 كانت بالفعل ثورة حقيقية من أجل الحريّة، وإن المحرّك الوحيد لتلك الثورة كان إرادة الشعب الليبي وعشق شباب وشابّات ليبيا للحرية وتوقهم الحقيقي لمستقبل زاهر وواعد لهم وللأجيال التي ستأتي من بعدهم. الذي حدث بعد نجاح الثورة كان بسبب أن الجيش الليبي كان قد تم تدميره والقضاء على كل سلاحه ومعسكراته بعد قتل أغلب قادته وهروب من تبقّى منه من إنتقام حلف الناتو من كل شئ إسمه الجيش أو الأمن في ليبيا لأسباب عرفنا فيما بعد دوافعها وحساباتها.
أنا لا أريد هنا أن أحاسب حلف الناتو على ما فعله في ليبيا وعلى كم التدمير لكل البنية التحية للجيش والقضاء على ذلك الجيش رغم أنّه كان مهمّشاً في عهد الطاغية القذّافي ولم يكن في حقيقته جيش الطاغية، فالقذّافي كانت له كتائبه المؤدلجة التي ناط بها مسئولية حماية نظام حكمه على حساب الجيش الوطني الليبي. لقد تم تدمير الجيش وتهجير الشرطة من معسكراتها ومقرّاتها وتحوّلت ليبيا إلى زريبة بدون حرّاس فدخلها كل مجرم وكل حقير وأعاث فيها فساداً بدون روادع وبدون أية مقدرة على المقاومة. إستولي الحقراء على سلطة القرار في ليبيا في عام 2014 من خلال ما سمّي حينها ب"فجر ليبيا"، حيث إحتلّوا العاصمة وفي عالمنا الثالث عندما تستولي على العاصمة تستولي على كل الدولة وكان ذلك تحديداً هو تفكير وحسابات الإخوان المسلمون الذين تحالفوا مع تجّار الدين وسماسرة الثوريّة ليقتسموا معاً خيرات ليبيا من خلال إستيلائهم على ممتلكات ليبيا ومدخّراتها وأموالها بعد أن سيطروا بكل دهاء وحقارة على مصرف ليبيا المركزي والسيطرة كذلك على قرارات المؤسّسة الوطنيّة للنفط. لقد كان كل شئ مدروساً ومبرمجاً ومحتسباً بكل تفاصيله من خلال ساستهم الكبار في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي نعرف بأنّ قادته يتعاملون مع الموساد الإسرائيلي وبقيّة وكالات الإستخبارات الغربيّة التي كانت لها حساباتها الإستراتيجيّة على الأمدية الطويلة.
كذلك فإن تأمر الغير على ليبيا ليس هو موضع كلامي اليوم، ولا حتى مؤتمر الصخيرات وما إنبثق عنه؛ وإنّما أنا هنا اليوم أود أن أذكّر كل إخوتي وأخواتي في ليبيا بأنّهم بدون جيش سوف لن يحفل بهمومهم أحد في العالم، بل فغيرهم سوف يستغل غياب أية قوة تحميهم لسرقة مقدّراتهم والحفاظ على إستعبادهم وكلّنا عرفنا كيف كانت ليبيا بالفعل عبارة عن زريبة بدون راعي يدخلها من يشاء ويخرج منها بما يقدر بدون أن يوقفه أي شخص أو يقدر على محاسبته دعك من عقابه.
أنا أقولها لكل إخوتي وأخواتي في ليبيا قسماً بالله إنّكم بدون قوة وطنية تحميكم فسوف لن يرحمكم إنسان على وجه الأرض. عليكم أن تتولوا شئونكم بأنفسكم، وأن تحموا ثرواتكم بأنفسكم؛ فالعالم من حولكم لا يعرف غير النهب والغصب والإذلال، وتلك المنظّمات الدولية التي نسمع عنها هي في الأساس تخدم من كان قد أسّسها في بادئ الأمر، وهي لم تنشئ لخدمة أو نصرة الضعفاء وإنّما لفرض رأي وتفكير الأقوياء عليهم.
إذاً، وإنطلاقاً من هذا التفكير أود في هذا اليوم أن أدعو جميع سكّان المناطق الغربيّة أن يفتحوا ذراعيهم لإستقبال جيشهم الوطني القادم من الجنوب الغربي، وأن يحتظنوه كما إحتظنه من قبلهم أهلنا في الجنوب والجنوب الغربي. علينا يا أيّها الإخوة والأخوات أن ننظر بعيداً وإلى الأمام، وعلينا بأن نحكّم عقولنا وبأن نكون أكثر عمقاً في تفكيرنا وفي حساباتنا. ليبيا هي بلدنا ولا مكان لتنظيم الإخوان أو بقية التنظيمات الدينيّة المؤدلجة بيننا في ليبيا. نحن شعب مسلم ووسطي ولا يمكننا إطلاقاً قبول المتشددين والتكفيريين بيننا. أليسوا هم من كفّر إخوتنا الآمازيغ لمجرّد إتبّاعهم للمذهب الأباضي؟.
أنا أطلب هنا من كل ليبي وكل ليبيّة بأن يستعدّوا لإستقبال جيشهم البطل وهو في طريقه نحو تحرير العاصمة من قبضة أولئك الذين يسيطرون عليها بالعنف والطغيان والخداع والنفاق منذ عام 2014، وقسماً فإن الجيش الليبي سوف يحرّر العاصمة وسوف يبسط سيطرته على كل شبر من التراب الليبي، وما هي إلّا مسألة بضعة آسابيع أو ربّما بضعة أشهر في أسوأ الأحوال. الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر - أو بأية قيادة بديلة في حالة لا سمح الله أن أصيب المشير بأي طارئ - هو جيش ليبيا الوطني، وهو جيش كل ليبيا وليس جيش الشرق كما تقول عنه الجماعات الدينيّة التي تسيطر الآن على العاصمة. الجيش الليبي هو جيش كل ليبيا وسوف يبسط سيطرته على كل التراب الليبي وسوف تفر تلك الجماعات المتطرّفة بمجرّد إقتراب الجيش من العاصمة كما فعل الطاغية القذّافي في عام 2011.
أما بالنسبة لإخوتنا الأمازيغ... أريدكم إخوتي في زوارة والجبل على وجه التحديد وبقية إخوتنا وآخواتنا الأمازيغ في كل ليبيا... رجائي، رجائي بأن لا تستمعوا إلى تنظيم الإخوان وكلام الصادق الغرياني وشيعته التي تناصره، وأن لا تستمعوا إلى نعيق بقايا الجماعة الليبية المقاتلة وأوصافهم للجيش الليبي، فهم يكرهون الجيش لأنهم يعرفون بأن وجودهم يتنافى كليّة مع وجود الجيش على التراب الليبي كقوة حامية وكقوّة موجودة على كل التراب الليبي. إن وجود الجيش الليبي على الأرض هو لحمايتكم ولأمنكم وللحفاظ على كيان الدولة التي تنتمون إليها وتفتخرون بإنتمائكم لها.
إخوتي وأخواتي الأمازيغ في كل بقعة من الأرض الليبيّة الغالية... نحن إخوة وأهل بلد واحد، تعايشنا مع بعض منذ دخول العرب إلى ليبيا في بداية القرن السابع الميلادي، وكان أن إندمج العرب والبربر(الأمازيغ) حينها ببعض وتعانوا كإخوة من أوّل يوم دخل فيه العرب إلى ليبيا. المسلمون حينما دخلوا ليبيا لم يفرّقوا بين أهلها على أسس عنصريّة أو لغوية، بل أن كل سكّان ليبيا كانوا يعيشون مع بعض ويتعاونون مع بعض، ونحن نعرف يقيناً من خلال كتب التاريخ بأن قادة العرب الذين دخلوا ليبيا وحكموها كانوا قد عيّنوا قادة من الأمازيغ على رأس الجيش وكذلك كان الحال في كل شمال أفريقيا ومثالنا الناصع هو القائد التاريخي طارق بن زياد الذي فتح الأندلس.
كذلك فقد قال المارشال مونتغمري في كتابه "الحرب عبر التاريخ": ((من أعجب الأمور في التاريخ أن البربر الذين حاربوا المسلمين لمدة 25 سنة متواصلة هم أنفسهم الذين حملوا راية الإسلام إلى الأندلس)). كذلك فإنّنا لا ننسى على الإطلاق علماء الأمازيغ في عهد الإسلام من أمثال: إبن خلدون، عبّاس بن فرناس، إبن تاشفين، إبن بطوطة، إبن البيطار، عبد الكريم الخطابي، والمعز بن باديس، وغيرهم كثير. هؤلاء القادة والعلماء والمفكّرين ما كانوا ليدخلوا التاريخ لولا أن العرب مكنّوهم من ذلك بدون مضايقتهم أو التحجير عليهم بل كان العرب والأمازيغ إخوة متحابّين ومتعاونين، ومتآلفين.
العلاقة بين العرب والأمازيغ في ليبيا كانت دوماً علاقة أبناء وطن واحد، وأبناء أسر واحدة، وكان التعامل بين العرب والأمازيغ في كل ربوع ليبيا هو تعامل أبناء وطن واحد ولم يشعر العرب إطلاقاً - وأنا منهم - بأن الأمازيغ هم غرباء أو أقليّة أو من جنس مختلف يتوجّب الحذر منهم. أنا لي الكثير من الأصحاب والمعارف من الأمازيغ في زوارة وفي الجبل الغربي ولم أحس في أي يوم من الأيّام بأننا نختلف في أي شئ، فنحن كلّنا أبناء وبنات ليبيا، وسوف نبقى كذلك ما حيينا على هذه الأرض.
إخوتي وأخواتي الأمازيغ... الجيش الليبي هو جيشكم وهو جيش كل ليبيا، وأنا كنت أوّل من طالب ومراراً بأن تحذف كلمة "العربي" من إسم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وبالفعل تم حذف تلك الكلمة من الإسم الرسمي للجيش منذ حوالي 6 أشهر. أمّا الذين مازالوا يصرّون على ذكر كلمة "العربي" مع إسم الجيش فهم من وجهة نظري أناس عاطفيّون ولا يستخدمون عقولهم وتفكيرهم قبل عواطفهم ورغباتهم. الجيش الوطني الليبي هو جيشكم وهو لكم ويتوجّب عليكم - من وجهة نظري - تشجيع شبابكم للدخول إليه ومن كانوا في الجيش سابقاً أن يعودوا إليه، فنحن كلّنا كليبيين وليبيّات لا تهمّنا غير ليبيا بلدنا، ولانحفل بأيّ شئ غير أننا نعيش معاً وبكل محبّة وأخوية في هذا البلد الذي هو بلدنا جميعاً ولا خير لأي منا على الآخر إلّا بما يقدّم لهذا البلد من أعمال جليلة.
نحن - عرب وآمازيغ وتوارق وتبو - كلّنا أبناء وبنات ليبيا ولا يحق لنا غير الإنتماء لبلدنا والإحتفاظ بهويّتنا الوطنية التي لاتفرّق بين عربي أو غير عربي، ويجب ألّا تفرّق بين مالكي أو أباضي أو مسلم أو غير مسلم. الوطنية تجمعنا والإختلافات الثقافية هي قوة لنا وألوان جميلة ترسم نسيح مجتمعنا الليبي الرائع. فلنفرح بإنتمائنا لليبيا ولنحفل بأخوّتنا ولنمد أيدينا لمصافحة جيشنا القادم من غرب الجنوب ولنفتح أذرعنا لإحتضان جنودنا البواسل الذين وهبوا أنفسهم من أجل تحرير ليبيا وإعادة الكرامة لها.
الجيش - لا محالة - هو قادم إلى طرابلس، وطرابلس لامحالة سوف يتم تحريرها، وليبيا سوف تنعم بوجود جيش قوي ومتماسك؛ لكن هذا الجيش سوف يبقى على الحياد بخصوص العمل السياسي في ليبيا وسوف يحمي الجيش الليبي الديموقراطيّة وسوف لن يتدخّل في إختيارات الشعب الليبي كما فعل الجيش التونسي البطل، وكما يفعل الآن الجيش الجزائري الذي برهن على صدق إنتمائه للشعب ولو كان ذلك على حساب "القادة التاريخيين" أو كما يدّعون.
تحيّاتي الصادقة لكل ليبي ولك ليبيّة يحبّون بإخلاص وطنهم ويتعاونون على بنائه والإنتقال به إلى الأمام على أسس التحضّر والعصرنة والعلم والمعرفة بعيداً عن خزعبلات وأفكار تجّار الدين الذي مازالوا يعيشون في أوهام خيالاتهم وطرق تفكيرهم الغبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك