الإعتراف بوجود الخطأ هو الخطوة الأولى نحو تغييره، ومن يعترف بخطأه سوف يجد الشجاعة ويمتلك القدرة على إصلاحه ومن ثمّ رسم معالم جديدة للغد تكون معاول تنفيذها بأيدي وقدرات من يعترف بأخطائه ويؤمن بوجوب إصلاحها.
الحلقات السابقة: الحلقة الأولى الحلقة الثانية الحلقة الثالثة الحلقة الرابعة الحلقة الخامسة
(الحلقة السادسة)
شيوخ الدين وحروب التمكين{1}
إن الله واحد أحد كما نعرفه وكما نؤمن به. الله أرسل كل رسله للبشر بالحب والتآخي والوئام ... وكان قد أوصاهم بأن يكونوا محبّين لغيرهم من الأنبياء ومحبّين لغيرهم من البشر بغض النظر عن أصولهم وجذورهم وأشكالهم وهيئآتهم. قال الله تعالى لنبيّه محمّد عليه السلام: {{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}}.
كل أنبياء الله أتوا إلى البشر برسالة المحبّة وكانوا مسالمين، ولكن حينما حوربوا من قبل قومهم قاموا بالدفاع عن أنفسهم، ولكن لم يعرف التاريخ أنّ نبيّاً أشعل حرباً على قومه أو على أقوام أخرى لم يناصبوه العداء. تلك هي رسالة الله إلى البشر: {{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}}.
من المعلوم بأنّ رسالة موسى كانت تركّز على شريعة الله وعدله، بينما رسالة السيّد المسيح عليه السلام كانت تركّز على رحمة الله ومحبّته وغفرانه، أمّا رسالة النبي محمّد عليه السلام فقد أُجملت في حديثه: ((إنّما جئت لأتمّم مكارم الأخلاق)).
من هنا نرى بأن رسائل الأنبياء كانت كلّها رحيمة بالبشر، لا تفرّق بينهم، وتدعوهم إلى عبادة الله بكل أمن وسلام. كانت تحيّة الأنبياء إلى أقوامهم "سلام" وهي عكس الحرب والإقتتال.
لم يذكر لنا التاريخ بأن موسى عليه السلام كان قد حارب أو قاد أي حرب طيلة حياته. يقال بأنّه قتل المصري مناصرة لإبن جلدته اليهودي، ويقال بأنّه قتل ثلثي أتباعه من اليهود الذين عبدوا الثور في غيابه وتنكّروا له، غير أنّه لم يذكر عنه بأن أعلن حرباً على شعب أو أنّه قاد حرباً ضد أمّة. تقول التوراة في إحدى الوصايا العشرة: {{كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس}}.
كذلك فلم يذكر لنا التاريخ بأن عيسى عليه السلام كان عاشق حرب أو قتال، بل إنّه لم يقد معركة أو يشارك في أي قتال حتى مع اليهود الذين ناصبوه العداء. ذكر في الإنجيل: {{ وأما أنا فأقول لكم أحبّوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم }}.
أمّا النبي محمّد عليه السلام فقد جاء برسالة الحب والتآخي ونشر أسس الوئام بين الناس. يقول الله تعالى في القرآن: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}}. ومع أن النبي محمّد عليه السلام كان قد قاد معارك وشارك في حروب، إلّا أن ذلك كلّه كان دفاعاً عن النفس ولم يكن إنتقاماً من أحد.
وحيث أن كل الرسل المذكورين جاءوا من أجل تثبيت القيم الإنسانيّة ونشر السلم والأمن بين الناس مع بعث روح التأخي والتعاون بين البشر بغض النظر عن معتقداتهم أو أصولهم أو ألوانهم أو أجناسهم، فإنّ الذي سبّب الحروب وزرع الفتن بين المؤمنين وعمل من أجل زرع بذور الشرّ بين البشر هم رجال الدين، وكانوا قد فعلوا كل ذلك بإسم الدين ومن منطلق "نصرة دين الله" أو من باب " محاربة أعداء الدين".
الله كان قد طلب من رسله بأن يكونوا رحماء مع أهلهم ورحماء مع غيرهم من البشر. سألهم بأن يكونوا مسالمين ومتواضعين وحنونين رفقاء بالبشر الذين أرسلهم إليهم.
نحن نعرف بأن كل الرسل كانوا قد أرسلوا إلى أهلهم وأقوامهم إلّا النبي محمّد عليه السلام فقد أرسل إلى كل البشر. النبي محمّد عليه السلام كان قد أرسل إلى كل البشر لأنّه جاء بخواتم الدين إلى البشر فكانت حكمة الله أن يرسل الدين حينما أكتمل إلى كل البشر ولم يحصره على قريش قوم النبي.
من ذلك فقد كانت الرسائل التي أمر الله نبيّه بنقلها للبشر كلّها محبّة وسلام ورحمة وعطف وحنان. كذلك فإن الله ذكّر نبيّه بأن حياة البشر هي أعظم شئ في الوجود، وبأن سعادة الإنسان هي سرّ كل الحياة الدنيويّة لما للإنسان من قيمة عند الله سبحانه وتعالى: {{مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}}.
أتباع الأنبياء من البشر هم من إستغل الدين لفرض الجبروت والطغيان على الغير. رجال الدين هم من خلق الفتن بين الناس، وهم من فرّق بين العابدين، وهم من أوجد الخلافات بين الأمة الواحدة بإسم الدين. يقول الله تعالى: {{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمُ الْعِلْم بَغْيًا بَيْنهمْ}}... أنظر "بغياً بينهم".
كان الله قد أرسل كل نبيّ برسالة، وطلب من قومه بأن يطيعوه ويمتثلوا إلى أمر الله. قال الله تعالى: {{لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً }}، وكان قد طلب من أتباع الأنبياء بأن يقيموا الدين ولا يختلفوا عليه حتى لا تكون فتنة وحتى لا يعتبر الدين مدعاة للصراع وتأجيجاً للحروب: {{أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}}.
إن الذي فرّق بين البشر هم رجال الدين، وإن الذين فرّقوا بين أبناء الأمّة الواحدة هم رجال الدين، وإن الذين فرّقوا بين أبناء الأسرة الواحدة هم رجال الدين. يقول الله تعالى: {{كانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ}}... كان الناس أمّة واحدة، وبقوا أمّة واحدة إلى أن خرج عليهم رجال الدين الذين حرّفوا كلام الله وأضافوا إليه حتى خلقوا أسباب العداوة بين البشر وفوق ذلك نشروا نعرة الحقد من خلال الإختلاف، وما فعلوا كل ذلك إلّا "بغياً بينهم" برغم أن الله منعم من الإختلاف حول دينه، أو تحويل دينه إلى سبب للإختلاف فيما بينهم.
كان اليهود هم أوّل من خالف نبي، وكانوا قد تحدّو نبيّهم موسى عليه السلام في مواضع كثيرة. لام اليهود نبيّهم بأنّه أخرجهم من مصر وأدخلهم إلى صحراء قاحلة في سيناء...(( قد تذكّرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانًا، والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم، والآن قد يبست أنفسنا،...، من هذا المن)). كذلك ترك اليهود موسى ودينه حينما غاب عنهم قليلاً فأسرعوا بعبادة العجل بدل عبادة الله. كذلك لام اليهود نبيّهم حينما تزوّج من إثيوبيّة. وحينما أدخلهم موسى إلى مشارف فلسطين فوجودوها محصّنة والحركة فيها مراقبة غضبوا على نبيّهم وسخطوا في وجهه لائمين إيّاه بأن أتى بهم إلى هناك وطلبوا منه إعادتهم إلى مصر لتصحيح خطأه: ((لماذا أتى بنا الرّب إلى هذه الأرض؟ لنسقط بالسيف؟ لتصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة. أرض كنعان تحوّلت إلى جواسيس أوفدهم موسى بأمر إلهي للتجسّس علينا)).
كذلك، فقد طالب اليهود بخلع موسى من قيادتهم وأولوا بالقيادة لأخيه هارون فعساه أن يعيدهم إلى مصر !!. غضب منهم موسى وأحسّ بالكثير من الضيق في داخل نفسه: ((حتى متى يهينني هذا الشعب، وحتى متى لا يصدّقونني رغم كل الآيات التي أتيتهم بها؟)). وحينما بلغوا بريّة سين جنوب صحراء النقب لم يعجبهم المكان فوجودوا صحراء قاحلة تحيط بهم من كل مكان. غضبوا من جديد على موسى وأخاه هارون قائلين لهما: ((أصعدتمانا من مصر لتأتيا بنا إلى هذا المكان الرديء. ليس هو مكان زرع أو تين أو كرم أو رمان، ولا فيه مكان للشرب)). ليس ذلك فقط، وإنّما حاول أتباع موسى من الموالين إلى إعتبار أن الوصايا العشرة التي نزلت في التوراة كانت غير كافية فأضافوا إليها الكثير من قصص الأوّلين حتى أضحت التوراة لا تمثّل أكثر من ربع الدين الذي صنعه المرافقون لموسى(أصحاب موسى) من الأحبار والحاخامات. كل تلك الإضافات حرّفت كتاب الله وأضافت إليه وجعلت من "التلموذ" كتاب اليهود المقدّس بدل التوراة ممّا خلق فتن وإختلافات بينهم لكنّهم لم يتحاربوا فيما بينهم لعدم قدرتهم على القتال وعدم رغبتهم فيه، وبدل ذلك إختلفوا وترك الكثير منهم تعاليم موسى منشقّين عليه وعلى الدين الذي جاء به. كان من بين ما ذكروه في التلموذ: ((للحاخامات السيادة على الله، وعليه أجْراء ما يرغبون فيه))، وقالوا أيضاً في التلموذ: ((إن الله يستشير الحاخامات على الأرض حين توجد معضلة لا يستطيع حلها في السماء))، وقالوا: ((إن الله يستشير الحاخامات على الأرض حين توجد معضلة لا يستطيع حلها في السماء))، وقالوا: ((اليهودي أحب إلى الله من الملائكة ، فالذي يصفع اليهودي كمن يصفع العزة الإلهية)). من هنا نرى بأنّ الأحبار والحاخامات كانوا هم من أفسد دين الله وحرّفه وأضاف إليه حتى يفرضوا أنفسهم على بني إسرائيل وحتّى يقلّلوا من نبوّة موسى ومكانته بينهم.
لم تكتب لنا كتب التاريخ بأن أتباع موسى كانوا قد شنّوا حروباً بإسم الدين، أو أنّهم حاربوا أقواماً أخرى. الذي فعله أحبار اليهود وحاخاماتهم هو "التفتين" بين الآخرين وحثّهم على الإقتتال والتنافر وكانوا بالفعل معاول للكثير من الحروب التي نشبت في العالم:
- إن جميع الثورات والانقلابات والحروب التي وقعتْ منذ بَدْء عصر التسامح مع اليهود عَبَر القرونَ: الثامن عشر، والتاسع عشر، والعشرين كانت تكاد تكون من صنع اليهود أنفسهم، ويقولون بأنّهم إنّما لجأوا إليها تنفيذًا لتعاليم التوراة والتلموذ، التي تحضّ على القضاء على غير اليهود كلّما إستطاع اليهود إلى ذلك سبيلاً، مستخدمين كل السبل التي توصّلهم إلى تحقيق أهدافهم البعيدة، وهى حكم العالم من أورشليم عاصمة ملكهم كما يدَّعون.
- المال كان هو العنصر المحرّك والفاعل في تفكير اليهود ووسيلتهم الأقوى للسيطرة على العالم. فمِن هذه الناحية إستطاع اليهود أن يمتلكوا المال والذهب، ويسيطروا على المصارف وغيرها من المؤسسات المالية التي تتحكَّم في إقتصاد الدول الأوربية والأمريكية.
- سيطرة اليهود على كبار الشخصيات العالمية التي تستطيعُ أن تلعب دورًا رئيسًا في زجِّ بلادِها في حروب تكون إلى جانبهم؛ وذلك بإغداق الأموال، وعرض المناصب ذات الجاه والمناصب العلمية، وإستخدام الدين كوسيلة خداع، ثم اللجوء إلى الإرهاب إن فشلت الوسائل الأخرى.
- التقرّب من الشخصيات العالمية وكسبها عن طريق التضليل التاريخي تحت ستار الدين، موهمين ضحاياهم على أنهم الشعب المختار الذي قَضَت "إرادة الرب" بأن يعودوا لإمتلاك أرض الميعاد(فلسطين). كما أنّهم يكسبون أعداداً أخرى من رجال السياسة العالميّة بالإرهاب اليهودي المعروف بليونته وخبثه.
- إستخدام الجمعيات الإرهابيّة السريّة للوصول إلى غاياتهم والعمل على تحقيقها.
- الدفع بالحروب الصليبيّة ضد المسلمين بهدف تمكين عودة المسيح الذي بعودته يعود سليمان ويعاد بناء الهيكل كمقدّمة لقيام الساعة كما يقول التلموذ عندهم.
- التأثير المدروس والمتعمّق لليهود في أغلب ثورات القرن التاسع عشر وحروبه والتي حدثت في أوروبّا، خاصّة بعد نجاحِهم الحاسم في الثورة الفَرَنسية، وما نالوه بعدها من مكانة مرموقة في فرنسا وغيرها من بلدان أوروبا، مما شجعهم على التمادي في خلق الفتن، وتدبير المؤامرات، وتحريك الثورات، وتنفيذ الإغتيالات السياسية والإنقلابات.
- لقد حَرَص اليهود على إسقاطِ الخلافة الإسلامية بسقوط الدولة العثمانية، وذلك عن طريق يهود سالونيك، الذين أظهروا الإسلام، والذين أطلق عليهم "الدونمة" وتزعّمهم سبتاي سيفي الذي إدّعى في عام 1648 بأنّه هو "المسيح المنتظر" وعمل من خلال ذلك الإدعاء لتجنيد المسيحيين وتحفيزهم للهجوم على مقر الخلافة العثمانيّة في تركيا بهدف إنهائها ليفتح الطريق نحو "أورشليم" ومن ثمّ التمهيد لعودة المسيح.
- تأثير اليهود في كل مجريات الحرب العالميّة الأولى التي تمكّنوا من خلالها من الحصول على وعد بلفور الذي وهبهم "أرض الميعاد"، وكذلك تأثيرهم الكبير على مجريات ونتائج الحرب العالميّة الثانية.
- محاولة اليهود الذكيّة بربط التوراة(العهد القديم) بالإنجيل(العهد الجديد) كديانة موحّدة ومكمّلة لبعضها، حتى بذلك تمكّنوا من السيطرة على التفكير والإرادة المسيحيّة وربطها بالمصير اليهودي.
كان شيوخ اليهود من أحبار وحاخامات هم الواصل القوي بين الدين والسياسة في كل التاريخ اليهودي، ولم يكن تحوير التلموذ أو الإضافة إليه من صعاب الأمور عندهم بعد أن تمكّنوا من تقزيم التوراة وتجيمها بالوصايا العشر بحيث تضاءلت قيمة التوراة الروحيّة أمام تأثير التلموذ على حياة اليهود بكل أشكالها والتي لم يجدوا منها الكثير مذكور في التوراة.
أمّا بالنسبة لشيوخ المسيحيّة(قساوسة وبابوات) فهم ليسوا بأحسن حالاً من شيوخ اليهوديّة( أحباروحاخامات)، حيث أنّهم فرّقوا بين الناس بإسم الدين بعد أن حرّفوه وأضافوا إليه، ثم إذا بهم يكفّرون من يخالفهم ممّا ولّد عداوات بين الناس ومن ثم عداوات بين الشعوب.
شيوخ المسيحيّة إستخدموا الدين لإشعال الحروب بين الناس، فبينهم نشبت حروباً كثيرة لعل أهمّها وأعنفها حرب الثلاثين عاماً في أوروبّا بين عامي 1618 و 1648 والتي راح ضحّيتها ما يقارب من 8 ملايين من البشر كلّهم ينتمون إلى توجّهات دينية مختلفة في حضن الدين المسيحي، وكان أن إندلعت تلك الحروب كصراع ديني بين الكاثوليك في فرنسا والبروتستانت في إسبانيا، وكان كل فريق يرغب في السيطرة على الثاني بهدف إخضاعه لسلطانه. الحرب كان قد أشعلها الكاردينال ريتشيلّو بأن أعلن مساندته العلنية لجماعة البروتستانت في مقاطعة هايسبورغ الإسبانيّة، وحدثت تلك الحروب الدينية تحت سلطة الإمبراطوريّة الرومانيّة المقدّسة (أنظروا المقدّسة !).
أمّا بينهم وبين الشعوب الأخرى التي تتبع معتقدات أخرى، فكانت الحروب الصليبيّة ربّما تعتبر خير مثال على ما أقول. فالحروب الصليبيّة كانت عبارة عن حملات دينية وتحت شعار الصليب؛ حيث كان أتباع المسيحيّة الذين ذهبوا ليقتلوا غيرهم من البشر يخيطون على ألبستهم من ناحية الصدر والكتف علامة الصليب من قماش أحمر، وكانت الغاية من شن تلك الحروب هي الدفاع عن ذلك الصليب... الدفاع عن دين الله كما يدّعون !!.
لقد كانت الحروب الصليبية عبارة عن سلسلة من الصراعات العسكرية تتّخذ الطابع الديني كستارلتلك الحروب التي خاضها الكثير من أتباع الصليب في أوروبّا ضد ما سوّق للناس حينها من قبل شيوخ الدين "التهديدات الخارجيّة والداخليّة" ضد الدين المسيحي، وكانت تلك الحروب قد شملت بشراً مسالمين من المسلمين والوثنيين والمغول والسلاف، وكذلك الأرثودوكس التابعين للكنيسة الروسيّة واليونانيّة. وشملت تلك الحروب كذلك أعداء الباوبوات من السياسيين. كان المشاركون في تلك الحروب من أتباع الكنيسة يأخذون الوعود للظفر بالجنّة وكانوا أيضاً يستلمون صكوك الغفران من القساوسة. ولكن الذي يجب التنويه إليه هو أن أساس تلك الحروب وجوهرها كان الإستيلاء على القدس والأراضي المقدسة التي كانت تحت سيطرة المسلمين على أساس فتح الطريق لعودة المسيح التي تمهّد لعودة الملك سليمان والذي سوف يعيد بناء المعبد ومن ثمّ يفتح الطريق لقيام الساعة والحياة الأبديّة التي كان يحلم بها كل مسيحي كما يقول شيوخ الدين.
كان عدد الحروب التي سمّيت في الأساس بالصليبيّة 9 حروب حدثت الأولى منها في عام 1096م والتي كانت قد إنطلقت من منطقة اللورين بفرنسا مروراً بالقسطنطينيّة وإنتهاء بإحتلال القدس في عام 1099م. الحملة الصليبيّة التاسعة كانت في عام 1271 بقيادة الأمير إدوارد ملك إنجلترا، وكانت تستهدف الإمارة الإسلاميّة في طرابلس التي كانت تتبع سوريا حينها، غير أن تلك الحملة الصليبيّة أنتهت بهزيمة الصليبيّين على أيدي القائد الإسلامي الظاهر بيبرس في عام 1272م.
علينا بألّا ننسى أن تلك الحملات الصليبيّة لم تكن ضد الإسلام فقط بل إن الكثير منها كان ضد إعتقادات مسيحيّة مخالفة أو بهدف نشر الدين المسيحي بالقوّة في المناطق التي رفضت الإنصياع للكنيسة. فقد قام بابوات كاثوليك من أمثال غريغوري التاسع وهونريوس الثالث وغيرهم بالدعوة لشن حملات عسكريّة جديدة في القرن الثاني عشر كان الهدف منها نشر الدين المسيحي في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من أوروبا.
الصراع الذي يقوده المسيحيون اليوم تحت غطاءات سياسيّة وإقتصاديّة هو ليس أكثر من إستمرار لإستخدام الدين للسيطرة على شعوب العالم، وتلك دائماً يوقد نارها تجّار الدين من رجالات الكنيسة الذين حتى وإن تم إستثناء دورهم بعد ثورات التحرّر الأوروبية ضد سيطرة رجال الدين إلّا أنّهم لم يستسلموا بعد ولم يتركوا أحلامهم المبطّنة في السيطرة على عقول وتفكير البشر بهدف حكمهم بإسم الله والسيطرة عليهم بإسم الكتاب المقدّس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك