الإنسان يولد بلا لغة وبلا دين، ثم بعد ذلك يتعلّم لغة ليتحدّث بها من مربيّيه، ويتعلّم ديناً يعتقد فيه من بيئته... ثم بعد ذلك يبني مستقبله بناء على ما تعلّمه من محيطه.
نحن كلّنا نولد بشراً مثل بعضنا، ثم نتعلم لغة تقرّب بيننا وديناً يجب بأن يوطّد علاقاتنا ببعض. يبقى في نهاية وبداية الأمر أنّنا "بشر" وعلينا بأن نتعامل مع بعض وفق ذلك المفهوم ووفق تلك البديهيّة.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}}... شعوباً وقبائل لنتعارف ونمد أيدينا لبعض، وليعين بعضنا البعض، ولنرفق ببعض بغض النظر عن العرق أو اللون أو الإنتماء أو الإعتقاد أو اللغة.
كل منّا يحتاج إلى أكل وشرب وتنفّس ولباس لكي يعيش ويستمر، لكن أيّاً منّا قد يعيش بدون لغة وقد يعيش بدون دين... وهذه يجب بأن تكون سر العلاقة بين البشر.
علينا بأن نتعامل مع بعض كبشر في الأساس ونترك اللغة والدين لتكونا من الخواص. لابدّ وأن تجمع بيننا الآحاسيس وتوحّد بيننا المشاعر وتربط بيننا القيم، وعلينا أيضاً بألاّ نسمح لأية لغة كي تفرّق بيننا فبوسعنا تعلّم لغة مشتركة نتفاهم من خلالها مع بعض، وعلينا بألاّ نترك الدين - وأي دين - بأن يكون سبباً للشقاق بيننا؛ فالدين لابدّ له من أن يكوّن لُحمة بين البشر لا أن يكون مصدر تنفير بينهم. إن الذين يحوّلون الدين إلى منفّر بين الناس هم من لا يفهم روح الدين... فأي دين مهما كان مصدره يجب بأن يكون داعماً للحياة لكي يبقى. الحياة تبقى في نهاية الأمر هي الأساس وهي الجوهر، أما البقيّة - وأيّ بقيّة - فيجب بأن تتظافر وتتكاتف وتتوافق من أجل الحفاظ على هذه الحياة، فنحن خلقنا لنعيش لا لكي نموت، وليبقى هذا المفهوم معنا حتى تنتهي آجالنا.
إنّها مشيئة الله أن أرسل لنا رسلاً مختلفين وبرسالات مختلفة، ولو شاء الله لجعلنا كلّنا أمّة واحدة تؤمن بدين واحد وتتكلّم بلغة واحدة... فلماذا خلقنا الله كذلك وأرسل لنا المرسلين من لدنه لينشروا بيننا تعاليمه وبلغات مختلفة كل حسب القوم الذين أرسلت إليهم؟. قال الله تعالى في كتابه العزيز: {{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}}، وقال أيضاً: {{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}}. إذاً فهي مشيئة الله، وعلينا بأن نحترمها ونقدّرها ونتعامل بأبجدياتها.
من هنا أرى بأن الله خلقنا كبشر وطلب منّا بأن نتواصل كبشر بهدف التعاون مع بعض لبناء هذه الحياة التي نشترك في التمتّع بخيراتها ونشترك كذلك في المعاناة من شرورها ونكباتها.
وإنطلاقاً من هذه المفاهيم والكثير غيرها، أرى بأنّه يتوجّب علينا كمسلمين مباركة المسيحيّين في أعيادهم وتبادل الهدايا وبطاقات التهنئة معهم بإعتبار أنّهم بشر قبل أن يكونوا مسيحيّين، فنحن أيضاً نعتبر بشراً قبل أن نكون مسلمين... وفي هذا علينا أن نرى بأن العامل المشترك بيننا جميعاً هو أنّنا "بشر" وتلك تكفي لأن نتعاضد مع بعض في السرّاء وفي الضرّاء.
أنا أبارك لإخوتنا المسيحيّين إحتفالاتهم بعيد الميلاد الذي إتفقوا عليه بأن يكون يوم 25 ديسمبر من كل سنة، وأتمنّى لهم الصحّة والهناء وراحة البال كما أتمناها لإخوتي المسلمين... فكلّنا بشر متشابهين حتى وإن إختلفنا في الإعتقاد والدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك