إن من يتغيّر هو فقط ذلك الذي يعيش العصر ويقدر على التفاعل مع محيطة. إن كل من يعيش بأفكار الماضي سوف يجد صعوبة في فهم الحاضر ومن ثم التأقلم معه. الحياة تسير إلى الأمام، وعلينا بأن نسير معها وإلّا فإنّها سوف لن تنتظرنا.
حدث أنّني ذهبت هذا اليوم مبكّراً للجامع على غير عادتي بهدف أداء صلاة الجمعة، وهناك كان المسجد ممتلئاً بالمصلّين بشكل يفوق التصوّر. كان الناس يتراصّون حتى تحتويهم صالتي الجامع الكبيرتين، وبالفعل أذهلني عدد المصلّين الكبير لهذا اليوم.
بدأ إمام الجامع يلقي خطبته الأولى، وبعد التقديم إتّجه مباشرة للحديث عن "الوقفة"... الوقوف بعرفات. ذكر محاسن الوقوف بعرفات وكيف أن الحجّاج يصلون إلى ذروة الحج وذلك بوقوفهم بعرفات حيث بعدها يكون اليوم المقابل هو يوم العيد.... إنتهاء مراسم الحج بالذبح وبعدها يكون الحاج قد أنهى الفرض ويبدأ في الإستعداد للعودة إلى بلده وأهله.
كل ذلك كان رائعاً ولا غبار عليه، ولكن الذي أحزنني بالفعل وأحسسني بالأسف على أمّة الإسلام هو الكلام الأجوف والإطناب الزائد عن الحاجة عن يوم الوقوف بعرفة.
قال بأن يوم عرفة هو أقدس وأعظم أيّام السنة على الإطلاق، وجاء بآحاديث يعلم الله مصادرها أكثر من قوله بأن بركة روت عن "نساء النبي" بأنّه قال بأن يوم عرفة هو أشرف يوم في السنة، وبأنّ كل مسلم - إنتبهوا هنا - يحيي يوم عرفة صياماً وقياماً وقراءة للقرآن يغفر الله له كل ما فعله لسنة سابقة وسنة لاحقة. لكن الإمام لم يكن سعيداً على ما يبدو بسنتين من "غفران كل الذنوب"، فأسترجع قائلاً: وهناك من الأحاديث وأقوال الفقهاء ما يبرهن على أن الله يغفر لمن يصوم ويصلّي ويقرأ القرآن في يوم عرفة سنة سابقة للسنة الماضية وسنة أخرى لاحقة للسنة اللاحقة... بمعنى أن مقيم يوم عرفة يغفر له الله كل ذنوبه لأربع سنوات متتالية !!.
هنا بدأت أحسّ بالضيق وودت لو أنني حينها كنت قادراً على الكلام لقلت له: إن ليلة عرفة ليست هي أحسن ليالي السنة على الإطلاق، ولم يسبق لي أن قرأت بأنّ ليلة أو يوم عرفة هو بتلك القدسية التي حاول الشيخ تصويرها لنا. قلت في نفسي: وماذا عن "ليلة القدر"، وماذا عن ليلة الإسراء والمعراج، وماذا عن يوم "عاشوراء".. ماذا عن يوم وفاة الرسول وإنتهاء رسالات السماء إلى البشر؟. أليست ليلة القدر هي خير من ألف شهر... ألم يذكر لنا القرآن ذلك؟. هل ذكر لنا القرآن بأن ليلة الوقفة هي أفضل ليلة على الإطلاق من بين كل أيام وليالي السنة؟. ثم... إذا كان الله يغفر لمقيم عرفة أربع سنوات كاملة من كل أثامه، أليس قيام ليلة واحدة كل أربعة سنوات بكاف لغفران كل الذنوب؟. ما حاجتنا ليوم الحساب إذا كان الغفران هو بهذا السخاء وبهذا الكرم وبهذه السهولة؟.
لقد أضاع الشيخ حوالي 20 دقيقة من أعمارنا وهو يقول ويكرّر ثم يكرّر أهمية الصوم والصلاة والتهجّد وقراءة القرآن في عرفة، وقال بأن الرسول كان يصوم 3 ايّام من كل شهر، فعلينا كمسلمين أن نقتدي برسولنا ونصوم على الأقل ثلاثة أيام من كل شهر على مدى العمر.
قلت في نفسي، ولماذا فرض الله علينا شهراً في كل سنة، وفرض علينا 5 صلوات في كل يوم إذا كنا نحن نريد أن نضيف إلى حكم الله. ألم يقولوا لنا بأن الله كان قد فرض على المسلمين 50 صلاة في اليوم لكن الرسول عليه السلام ترجّاه رحمة بأمّته بأن يخفف عن المسلمين فإستجاب الله لرسوله رحمة بأمّته، وبالفعل خفّف الله الصلوات على المسلمين من 50 صلاة في اليوم إلى 5 صلوات فقط !!.
إقرأوا هذا: ""أن الله تعالى فرض الصلاة أول الأمر – في ليلة المعراج بنبينا صلى الله عليه وسلم - خمسين صلاة في اليوم والليلة ، ثم لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى صارت خمس صلوات في اليوم والليلة ، وقد أمضى الله أمره في الأجر لا في الأداء ، فمن صلى خمس صلوات فإنه يأخذ ثواب خمسين صلاة .
عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء افتح قال من هذا قال هذا جبريل قال هل معك أحد قال نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم فقال أرسل إليه قال نعم فلما فتح علونا السماء الدنيا ... ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال : ما فرض الله لك على أمتك ؟ قلت : فرض خمسين صلاة ، قال : فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فراجعت فوضع شطرها ، فرجعت إلى موسى ، قلت : وضع شطرها ، فقال : راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ، فراجعت فوضع شطرها ، فرجعت إليه ، فقال : ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فراجعته ، فقال : هي خمس ، وهي خمسون ، لا يبدل القول لدي ، فرجعت إلى موسى ، فقال : راجع ربك ، فقلت : استحييت من ربي ..."" إنتهى الإقتباس.
إذا كان النبي عليه السلام قد توسّل إلى ربّه وبذلك الشكل المذكور أعلاه حتى يخفّف عن أمته ذلك العناء... عناء الصلاة 50 مرّة، فلماذا نحن البشر أخذنا نضيف بعد كل صلاة نوافل ونوافل أخذت تكبر وتتزايد مع الوقت حتى أصبحنا اليوم نصلّي النوافل عشرات المرّات أكثر من الصلوات المفروضة؟.
تلك الخطبة إنتهت بعد 20 دقيقة، وجاءت بعدها الخطبة الثانية وكانت هذه المرّة بإنجليزية ركيكة ومكسّرة، وكانت الخطبة الثانية لسوء حظّي ترجمة للخطبة الأولى فأضعنا 20 دقيقة أخرى قبل أن نؤدّي فرض الجمعة.
وحينما قال الشيخ "السلام عليكم" بعد الصلاة، أخذ المصلّون يتزاحمون للخروج من الجامع بشكل يشعرك بأن خطراً ما كانوا قد أحسّوا كحريق أو زلزال أو ربّما داعشي بحزام ناسف كان قد دخل المسجد من أبوابه الخلفية. لقد تدافع المصلّون نحو أبواب الخروج بشكل جنوني بمجرّد أن قال الشيخ "السلام عليكم" منهياً الصلاة.
وأنا أشهد كل تلك "الأحداث المثيرة" بأم عيني قلت في نفسي حينها: بهكذا نحن متأخّرون ومتخلّفون وفقراء ومحتقرين من بقية شعوب العالم التي تجاوزت هذا "الهذيان" في خطب الجمعة التي لا يمكنها إطلاقاً أن تتحدّث عن الواقع دعكم من الدعوة إلى الأخذ بزمام العلم والمعرفة والبحث عن مصادر جديدة للطاقة أو التعمّق في بحوث الطب حتى نبرهن نحن المسلمون على أنّنا لا نقل ذكاء عن غيرنا. شعرت بإنقباض قوي يعتصرني وأنا عائد إلى سيّارتي وبالفعل أدمعت عيناي تحسّراً على واقع مزري ومتخلّف نعاني منه نحن المسلمون اليوم بسبب خطب الجمعة الغبيّة والمتخلّفة والمتكلّسة والتي لا تخضع إطلاقاً للتفكير أو المماحكة أو حتى المراجعة. أحسست بالأسف على أمّة كان يجب بأن تكون خير أمة أخرجت للناس فإذا بها أضحت مسخرة بين كل شعوب العالم بسبب الثقافة المتخلّفة التي نصرّ على إجترارها وتكرارها وتمريرها بدون حتى مراجعتها أو تنقيحها أو تنظيفها من الشوائب التي علقت بها عبر العصور. . . دعكم من تحديثها بما يتناسب وزماننا ويتلاءم مع مكاننا، فالتحديث يعتبر عندهم بدعة والبدعة تؤدّي إلى الكفر مع أن البدعة هي من الإبداع !!..
ردحذفHi there! I could have sworn I've been to this site before but after checking through some of the post I realized it's new to me. Anyways, I'm definitely glad I found it and I'll be book-marking and checking back frequently! hotmail sign in