الإنسان الذي يفكّر ويتدبّر هو وحده من يرى أشياء قد لا يراها غيره، وهو من يقدر على لوم الذات عند حدوث النواقص ومن ثمّ نجده يضطر للبحث عن الحلول... ويقينا سوف يعثر عليها. إن الذي لا ينظر إلى عيوبه هو من لا يقدر على رؤيتها أو الإحساس بها، ومن لا يرى عيوبه لا يقدر على إصلاحها ومن ثم نجده يلوم الغير على كل مصائبه تعويضاً عن ذلك العجز العضوي والإدراكي والإعتباري.
اليوم هو العشرون من مارس 2015، وفي هذا اليوم حدثت أشياء مهمّة أتوقّف عند واحدة منها لأعبّر عن بعض ردّات الفعل لما يدور حولنا. ففي هذا اليوم كما نعرف يتساوى الليل والنهار وهذا الحدث قد لا يحتاج إلى توقّف أو تعليق، فهو يحدث مرّتين في كل سنة وسوف يستمر كذلك إلى أن تنتهي هذه الحياة. المرّة القادمة التي يتساوى فيها الليل والنهار سوف تكون يوم 20 سبتمبر 2015.
الحدث الثاني في هذا اليوم كان عالميّاً بإمتياز مع الإختلاف فقط في الكم بين دولة وأخرى وهو كسوف الشمس، والذي كان شبه كلّي في بريطانيا. لقد سبق لي التعليق على هذا الحدث في يوم الأمس واليوم الذي سبقه.
الحدث الثالث المهم لهذا اليوم كان "اليوم العالمي للسعادة" وسبق لي أيضاً التعليق على هذا الحدث منذ يومين.
الحدث الرابع لهذا اليوم قد لا يكون بنفس الأهميّة لكنّه بالنسبة لي كان مهمّاً، فقد ذهبت صباح هذا اليوم إلى لندن لحضور مؤتمراً طبّياً عن "الإضطرابات الحركيّة" Movement Disorders وكان يوماً ممتعاً ومليئاً بالكثير من آخر بدائع العقل البشري في هذا المجال..
أنا سوف لن أعلّق عن الأحداث الطبيّة فهي خصوصيّة إلى حد كبير، وبذلك فهي قد لا تهم الجميع، أنا إخترت أن أعلّق على رحلة القطار من كوفنتري إلى لندن !.
اليوم هو العشرون من مارس 2015، وفي هذا اليوم حدثت أشياء مهمّة أتوقّف عند واحدة منها لأعبّر عن بعض ردّات الفعل لما يدور حولنا. ففي هذا اليوم كما نعرف يتساوى الليل والنهار وهذا الحدث قد لا يحتاج إلى توقّف أو تعليق، فهو يحدث مرّتين في كل سنة وسوف يستمر كذلك إلى أن تنتهي هذه الحياة. المرّة القادمة التي يتساوى فيها الليل والنهار سوف تكون يوم 20 سبتمبر 2015.
الحدث الثاني في هذا اليوم كان عالميّاً بإمتياز مع الإختلاف فقط في الكم بين دولة وأخرى وهو كسوف الشمس، والذي كان شبه كلّي في بريطانيا. لقد سبق لي التعليق على هذا الحدث في يوم الأمس واليوم الذي سبقه.
الحدث الثالث المهم لهذا اليوم كان "اليوم العالمي للسعادة" وسبق لي أيضاً التعليق على هذا الحدث منذ يومين.
الحدث الرابع لهذا اليوم قد لا يكون بنفس الأهميّة لكنّه بالنسبة لي كان مهمّاً، فقد ذهبت صباح هذا اليوم إلى لندن لحضور مؤتمراً طبّياً عن "الإضطرابات الحركيّة" Movement Disorders وكان يوماً ممتعاً ومليئاً بالكثير من آخر بدائع العقل البشري في هذا المجال..
أنا سوف لن أعلّق عن الأحداث الطبيّة فهي خصوصيّة إلى حد كبير، وبذلك فهي قد لا تهم الجميع، أنا إخترت أن أعلّق على رحلة القطار من كوفنتري إلى لندن !.
ركبت القطار في الصباح الباكر متّجهاً إلى لندن وكعادتي دائماً أخرج متأخّراً من البيت لأجد نفسي أسابق ساعة الزمن من أجل اللحاق بأحداثه فلا أسمح لها أن تعبر أمامي وأنا أتفرّج. رحلة السيارة من البيت إلى محطة القطار كانت مثل الأفلام البوليسيّة وتخلّلتها الكثير من الأخطاء في إختيار أقرب الطرق وأقلّها إزدحاماً، لكنّني فوجئت بشكل كبير بأنّني تمكّنت من قهر ساعة الزمن لهذا اليوم حيث وصلت المحطّة وبمعيّتي 10 دقائق كاملة قبل موعد القطار. تفاجأت بطبيعة الحال من وقع هذا "النجاح" الغير مسبوق حتى أنّني لم أعرف كيف أمضي تلك العشرة دقائق فكانت بمثابة إنتظاراً طويلاّ وثقيلاً... لكنّها مرّت بسلام !.
وصل القطار في زمنه المعلن بالدقيقة والثانية وركبت ثم أخذت أبحث عن الكرسي الذي سبق لي حجزه ولم أتعب كثيراً حتى عثرت على بغيتي. بعد قليل وصل عدد كبير من طلبة السنة التاسعة إبتدائي ومعهم أستاذ ظننت بأنّهم ربما هم ذاهبون إلى لندن في رحلة تعليميّة، فجلس أحدهم في الكرسي المجاور لمقعدي وحاول الثاني التخلّص منّي للجلوس بجانب زميله لكنّني هزمته بوجود رقم ذلك المقعد على تذكرتي فما كان منه إلاّ أن بلع ريقه وذهب يبحث عن كرسي غير محجوز !.
بطبيعة الحال كانت المنطقة المحيطة بي كلّها محتلّة من قبل هؤلاء المراهقين مع بعض آساتذتهم الذين كانوا بالفعل صغاراً في السن وشبه مراهقين هم أنفسهم. كان الشبّان الصغار والشابّات يرتدون زي المدرسة الأنيق بما في ذلك ربطة العنق غير أن ملامحهم كانت ملامح مراهقين وتصرفاتهم كانت تصرفات مراهقين، وكان آساتذتهم يرتدون بدلاً أنيقة تعكس آخر صيحات الموضة بما فيها ربطات العنق الرفيعة والملوّنة.
أنا عرفت كل هذه المعلومات من خلال حاسّة السمع والنظر وبعض من البديهة والتخمين. الأستاذ الذي كان يجلس أمامي كان يصحّح في واجب التلاميذ فعرفت بأنّه أستاذاً !، والتلاميذ عرفتهم كذلك لأن كل واحد منهم كان عنده موبايل فون أو آي باد أو آي بود وأحياناً يتبادلون نكتاً ويضحكون عليها مع أنّها بالنسبة لي لم تكن نكتاً ولا هم يحزنون، وحينها تذكّرت النكت الإنجليزيّة... كلّها بايخة ودمّها بارد.
كان الوقت في الصباح المبكّر وهو يعني الذروة هنا، وكان القطار مزدحماً وكل عرباته كانت مكتظّة بالمسافرين، وبذلك وجدت غايتي في النظر والتمعّن والتفكير والبحث عن أي شئ أشغل به نفسي !.
نظرت هنا وهناك فرأيت بشراً بمختلف الأعمار والألوان والأجناس والأعراق والمعتقدات، وكانوا رجالاً ونساء بما يقرب من المناصفة، والذي شد إنتباهي أن كل واحد منهم كان مشغولاً بشئ ما في يده أو على الطاولة التي أمامه.
أيام زمان - منذ حوالي4-5 سنوات ! - كان معظم ركّاب القطار يحملون في معيّتهم جريدة أو مجلّة أو كتاب يقضون فيها أوقاتهم طيلة زمن الرحلة التي في القطار السريع لا تتجاوز ال 50 دقيقة من كوفنتري إلى لندن، لكنّ ما رأيته اليوم كان يختلف تماماً عمّا كنت أشهده منذ زمن ليس بالبعيد. لم أبصر جرائد أو مجلاّت أو كتب ولم ألحظ قصصاً أو روايات في أيدي الناس، وإنّما كلّ ما رأيته كان حواسيب محمولة ونقّالات وآي بادس وآي بودس، وإم بي 3 بلايرس، والأهم من كل شئ هو أن الكتب الورقيّة تحوّلت كلّها إلى كتب إليكترونيّة أغلبها كان على هيئة كيندلس. كيندلس بداخل كل منها مكتبة كاملة يختارها صاحب الكيندل ليقرأ منها ما يستطيع وليتنقّل بين رفوفها كما أراد بدون المشي أو التحرّك وإنّما بضغطة إصبع.
كان ذلك الخضم الكبير من البشر منهمكاً كل في هوايته وغايته، وكانت كل أنماط البشر منسجمة ومتجانسة ومتصالحة... والأهم كان الهدوء هو سيّد الموقف مع بعض النكت "الباردة" من طلبة الإعدادي تأتي من هنا وهناك مع بعض الضحكات "البلاستيكيّة".
وأنا أشاهد ذلك الفيض من البشر وكل منهم كان منهمكاً في ما يحمل بين يديه، ذهب بي الخيال بعيداً إلى عالمنا العربي والإسلامي حيث ظهرت أمام عينيّ مقارنة بيننا وبينهم، وحينها تذكّرت أحوالنا التعيسة وقارنتها بأحوالهم المتمدّنة والمتحضّرة، ومرّت أمام ناظريّ حالتنا المضطربة هناك وحالتهم الهانئة هنا فقلت في نفسي: إنّهم يعيشون اليوم ونحن نعيش الأمس... وهذا هو الفرق بيننا وبينهم.
وأنا أسير في الطريق نحو قاعة المؤتمر في وسط لندن شدّتني مجاميع من البشر تقف أمام المباني الكبيرة والنظيفة والتي كانت واجهات أغلبها زجاجيّة ملوّنة... نعم عشرات إلى مئات من البشر كانت تتجمّع أمام تلك المباني الشاهقة على جانبي شارع "مارلبون" الكبير فشدّتني تلك الجموع الغفيرة من البشر إلى الإهتمام بأمرها فظننت بأنّها تستعد للتظاهر ضد الحكومة، فالمظاهرات ضد الحكومة هنا في هذا البلد تكاد تكون حدثاً يوميّاً. ويتظاهر الناس أحياناً لا لشئ يبغونه غير حب التظاهر والتأكيد على فرض حقّهم فيه بإعتباره جزءاً مهمّاً من جوانب الحريّة وركناً من أركان الديموقراطيّة.
وأنا أفكّر في مثل هذه الأمور وأبحث لها عن تفسير مقنع حتى تذكّرت بأن الساعة كانت التاسعة إلاّ عشرين دقيقة في الصباح وبأن كل المرافق الحكومية مازالت مغلقة، فوقت الدوام لم يبدأ بعد، وحينها تيقّنت إلى أن تلك الجماهير الغفيرة التي كانت تتجمّع حول تلك المباني العالية كانت عبارة عن جمهرة الموظّفين وهم ينتظرون فتح أبواب المصالح ليبدأوا أعمالهم. قلت في نفسي... يا الله، الناس هنا يأتون قبل الدوام وينتظرون بكل فرح وسرور أمام مصالحهم ومكاتبهم ومؤسّساتهم حتى تفتح أبوابها ليبدأوا يوم جديد من العمل، ونحن هناك تفتح المصالح أبوابها ولا يدخلها في بداية ساعة الدوام إلا شخص أو إثنين والبقية يأتي أقل من نصفها تتابعاً حتى منتصف النهار ومن لم يأت يتغيّب ويعتبر ذلك أمراً طبيعيّاً. نعم... إن الفرق بيننا وبينهم هو "قيمة" حضاريّة هم يملكونها ونحن نفتقر إليها.
شكرا لقد استمتعت بالرحلة على متن القطار إلى لندن ...
ردحذف