الإنسان المتفاؤل هو ذلك الذي يرى إيجابيّاته تتقدّم على سلبياته مع إحتفاظه بالإدراك والمعرفة بأنّه أيضاً له سلبيّات ونواقص لكنّه يمتلك القدرة على قهرها أو تطويعها أو تحويلها إلى إيجابيّات بما يمتلك من إرادة داخليّة ورغبة في الإبداع والتطوير.
يتميّز الليبي (والليبيّة !) بالجد والمثابرة والمبادرة والإبداع، وذلك بحكم وجوده في منطقة البحر المتوسّط التي يتميّز سكّانها بالحركة والنشاط والنباهة والذكاء ربّما من خلال عوامل جغرافية أو تاريحية أو ربّما تركيبيّة ووراثيّة.
بكل تأكيد فإن سكّان شمال أفريقيا يختلفون عن بقيّة سكّان القارة على إعتبار أنّهم قادمون إليها من أصول أخرى، ومن هنا لا يمكن مقارنة الحس الإبداعي عند الليبي بنظيره الأفريقي وخاصّة أولئك المقيمون في وسط القارة وعمقها. ومن باب الإنصاف لا يمكن تعميم هذه القاعدة على الجميع؛ ففي كل مجتمع توجد إختلافات، وفي كل ظلام توجد ضياء.
المقصود من كلامي هذا هو أبعد من مجرّد الحديث عن إبداعات الليبيّين والليبيّات أو كم تمايزهم عن الآخرين الذين يعيشون في محيطهم. ما قصدته هو أنّه بسبب شطارة الليبيّين وذكائهم وحرصهم على تحسين مستويات حيواتهم، أفرزت ليبيا الكثير من العقول المبدعة والمتميّرة، وكذلك الكثير من الخبرات النفيسة التي يشهد لها العالم بالمقدرة على إحداث التغيير.
يتخرّج من الجامعات الليبيّة والمعاهد المتخصّصة في مختلف علوم الحياة الألاف في كل سنة، وهؤلاء بحكم الكثير من الظروف لا تستوعبهم آماكن التشغيل في ليبيا ومن ثمّ يهاجر الأقدر والأفضل والأشجع إلى خارج البلاد بحثاً عن الرزق من ناحية ولكن في الحالة الليبية تحديداً الأغلب هو البحث عن المزيد من التحصيل وإشباع ملكة التطوير والإبداع التي يتميّز بها الإنسان الليبي.
الظروف السياسية التي مرّت بها بلادنا منذ عام 1969 وإلى الآن ساهمت وبشكل كبير في دفع الليبيّين والليبيّات إلى الهجرة بحثاً عن الآمان والطمأنينة بالإضافة إلى تلك العناصر المذكورة عاليه.
لهذه الأسباب وغيرها نجد عشرات الآلاف من الخبرات الليبيّة المبدعة مهاجرة وتقدّم خدمات راقية في البلدان التي تقيم فيها. بكل تأكيد تلك البلدان ترحّب بالليبيّين والليبيّات وتمكّنهم من بلوغ غاياتهم بدون تدخّل أو مضايقة، وهذا اوجد البيئة المناسبة للإبداع وتحقيق المزيد من التقدّم كل في مجال تخصّصه.
كل هذا لا غبار عليه ويظهر من الوهلة الأولى وكأنّه يصب في مصلحة الليبيّين ويتناسب مع تطلّعاتهم، لكنّني قصدت في العمق أبعد من ذلك. عشرات الآلاف من الخبرات الليبيّة المهاجرة هي بمثابة نفائس رخيصة تستفيد منا البلاد التي تقيم فيها، وبذلك فإن تلك البلاد سوف تعمل كل ما تستطيعه لمنع هذه الخبرات من المغادرة للرجوع إلى ليبيا لآنّها سوف تترك وراءها آماكن شاغرة وخبرات قد يكون من الصعب والمكلّف إيجاد البديل لها أو المعوّض عنها.
بلاد العالم التي تستفيد من خبرات الليبيّين والليبيّات حظيت بمهارات جاهزة وراقية بدون أن تدفع درهما واحداً لتأهيلها. خبرات رخيصة لكنّها نفيسة، ومن الصعب الإستغناء عنها.
من هنا فإنّني أرى أنّه من بين العوامل الكثيرة التي تدفع بالكثير من دول العالم للتآمر على أمن وإستقرار ليبيا تأتي قضيّة الخبرات الليبية في القمّة، وسوف تعمل تلك الدول المستحيل من أجل إستمرار الفوضى في بلادنا حتى تدفع تلك الفوضى الليبيّين والليبيّات للبقاء في المهجر وتقديم نفائس إبداعاتها للبلاد التي تقيم فيها.
هناك عامل آخر يجب تذكّره ونحن نتحدّث في هذا الإطار... المهاجر الليبي يختلف كثيراً عن أغلب المهاجرين الآخرين في اوروبّا تحديداً، وربما على أقل تقدير في شمال أمريكا والبلاد العربية. المهاجر الليبي بطبيعته دائماً يحن للعودة إلى بلده وتقديم كل ما يملك لأهله، وهذا يختلف كثيراً عن المهاجر الأسيوي أو الأفريقي أو حتى الأوروبي الشرقي الذي يحن إلى الغرب ويعتبرهم أعلى منه مستوى ومن البلاد التي أتى منها وبذلك فإنّه يرى تلك البلاد كجنّة وملاذ.... وكمقام حياتي.
المهاجر الليبي يختلف كثيراً عن ذلك، فهو كريم ومعتز بذاته ويفتخر بإنتمائه ويحن إلى بلده وتوجد لديه أنفة وكبرياء قد يندر مثيلها. المهاجر الليبي بصفة عامة يحرص على نقل بلاده معه أينما ذهب، ولا يمكن لليبي أن يخون بلده أو يغدر بها أو يتكبّر عليها أو يستبدلها بغيرها إلا أن يكون ذلك إستثناء... وهذه مفخرة لنا جميعاً علينا بأن نعتز بها ونحافظ عليها.
صحيح أفضل خبراتنا في الخارج خاصة الخبرات في مجال الطب في حين الخبرات الاجنبية الوافدة هي أسوأ الخبرات الموفدة إلينا نحن كمن قال فيه الله سبحانه أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير..!!!
ردحذف