لا يحسّ بآلام الوطن غير أهلها، وسوف لن يحل مشاكلها إلا من يعيش بداخلها. حل كل مشاكل ليبيا سوف يكون من داخلها، فهل حان الوقت لأن ننسى خلافاتنا ونتعاون من أجل بلدنا ومن أجل أنفسنا؟.
كما نعرف فإن العديد من المحاولات لحل المشاكل التي تعاني منها ليبيا باءت كلّها بالفشل وذلك لعدم رغبة الكثير من القوى النافذة في الوصول إلى حل. وطالما أن هذه القوى بقيت مصرّة على "حل معيّن أو لا حل" فإنّ الوضع في ليبيا سوف يبقى كما هو مهما حاولت الأمم المتحدة التدخّل ومهما تدخّلت بحلولها التي قد تصلح لإرضاء جهات معيّنة، ولكن ليس لمصلحة ليبيا أو الشعب الليبي.
الحل المطروح(المتوفّر) في الوقت الحاضر هو "القتال" أو ما يعرف ب"كسر العظم"، ونظراً لوجود الكثير من الجهات الخارجيّة المراقبة للوضع الحالي في ليبيا والتي تستفيد كثيراً من أوضاع ليبيا الحاليّة، فإن الوضع في ليبيا سوف يبقى متأزّماً وسوف يبقى محتقناً.
الوضع الحالي بكل تأكيد سوف لن يؤدّي إلاّ إلى المزيد من التناحر ممّا يؤدّي إلى فقدان المزيد من الأرواح، وكذلك المزيد من التدمير للبنية التحتية لهذا البلد وهدر خيراته حتى الإفلاس، وهذه الأوضاع بكل تأكيد سوف تخدم الكثير من القوى الخارجيّة ومنها على سبيل المثال:
- قطر وبقيّة منطقة الخليج: تعرف دول الخليج يقيناً بأن ليبيا تتمتّع بإمتيازات كثيرة عن كل تلك الدول مما يجعل ليبيا أكثر جاذباً للإهتمام الغربي والأمريكي، وكذلك دول أخرى نافذة مثل اليابان والصين والهند وأستراليا. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن ليبيا بإمكانياتها الطبيعية ( موقع ومساحة ومصادر ثروة) تعتبر منافساً كبيراً لكل دول الخليج العربيّة مما يعني أن الإستقرار في ليبيا سوف يضرّ بكل تلك الدول ونحن هنا نتحدّث عن مصالح إقتصاديّة وسياسيّة أيضاً. ليبيا أيضاً تمتلك خبرات عقليّة ومهنية يندر وجودها في كل دول الخليج العربيّة، ويتميّز الليبي(ذكر وأنثى) بالمقدرة على الخلق والإبداع والإبتكار ربّما نظراً لتأثّره ببيئته المتوسّطية التي علّمته الكثير من طبائع الشعوب المحيطة بالبحر المتوسّط. الليبي والليبيّة لو تركت لهما الحريّة وتوفّر لهما المناخ المناسب فإنّهما بكل تأكيد سوف ينتقلان بليبيا إلى الآمام بخطى متسارعة وواثقة. من ناحية أخرى فإن كل دول الخليج تعتمد كثيراً على خبرات ليبيّة مهنيّة متطورة لتسيير الحياة في بلادها، وإذا ما تصالحت ليبيا مع نفسها وعم فيها الهدوء فإن أوّل ما يفعله الليبي هو العودة إلى وطنه نظراً للعلاقات الإجتماعية المترابطة بين اللييّين ونظراً للطبيعة التحرّرية للمجتمع الليبي مقارنة بدول الخليج التي تفرض على سكّانها أوضاعاً أقل ما يقال عنها بأنّها "متزمّتة" أو متناقضة.
- أمريكا وبعض دول شمال أوروبا: ليبيا تعتبر بالنسبة لأمريكا ودول شمال غرب أوروبا وبريطانيا كخير مثال... تعتبر ليبيا لهذه الدول بمثابة منطقة نفوذ ومركز للكثير من الصراعات التي تحدث في منطقة البحر المتوسّط، وبذلك بإن تلك الدول سوف تحبّذ بقاء ليبيا في وضعها المشحون أو السيطرة عليها بالكامل كما حدث لدول الخليج العربيّة حيث السيطرة الأمريكية على كل مجريات الحياة في تلك الدول تعتبر هي السمة السائدة فيها. من ناحية أخرى فإنّ تدمير البنية التحية في ليبيا سوف تكون له الكثير من الفوائد لأوروبا وشمال أمريكا من حيث الحاجة لإعادة البناء والإستثمار والتسليح وذلك سوف يفرض النفوذ الإستراتيجي في المستقبل، حيث يتميّز الليبيّون بخاصية كره سيطرة الأجنبي على مجريات الحياة اليوميّة للمواطن الليبي على عكس شعوب دول الخليج التي ترى في الأمريكي أو الأوروبي كسيّد وكمثال يحتذى به نظراً لثقافة تلك الشعوب التي تستقي منابعها من "التبعيّة" المستديمة سواء كان ذلك للعائلات التي تحكم دول الخليج بالوراثة أو للمحتل الأجنبي.
- أفريقيا هي بدورها لا ترى في إستقرار ليبيا ما ينفعها لعدة أسباب:
أ) الهجرة الغير شرعيّة لأوروبا، وهذه الظاهرة تقلّل من البطالة في أفريقيا وتقلّل من الإحتقان الداخلي في الكثير من الدول الأفريقيّة
الفقيرة.
ب) تحكّم ليبيا المستقبلي في كل منافذ أفريقيا الجوية والبحرية والبريّة أيضاً بإعتبار أن ليبيا هي حلقة الوصل الكبرى بين أفريقيا
وأوروبا نظراً لكبر مساحتها ولموقعها الجغرافي الفريد.
ج) نجاح الوضع في ليبيا سوف يحفّز الكثير من الشعوب الأفريقية للثورة على حكّامها والمثال الأقرب هو ربما الجزائر والسودان
وكذلك المغرب وموريتانيا.
من هنا نرى بأن ليبيا سوف لن يسمح لها بالإستقرار، لأن إستقرار ليبيا يعني بدء عملية البناء وتلك تعني تأسيس دولة قويّة تمتلك من الإمكانيات الطبيعية والبشرية ما يجعل منها رائدة كل أفريقيا بما في ذلك جنوب أفريقيا نفسها التي بدأ يدب فيها الفساد نتيجة لتسلّط حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على مقاليد الأمور فيها.
كيف يمكن لليبيا أن تخرج من هذه الدوّامة؟
أنا أرى بأن حل كل المشاكل في ليبيا هو بمتناول أيدي أبنائها وبناتها. أنا على ثقة بأن الشعب الليبي هو قادر على حل مشاكله لو أنّه ترك لوحده.
وحيث ان هذا الشعب سوف لن يترك لشأنه، فعلي أبناء وبنات الشعب الليبي أخذ زمام الأمور بأيديهم وذلك من خلال مشروع بسيط ومتواضع جداً:
- الشعب الليبي هو من سوف يصنع التغيير رغم سيطرة المليشيات.
- الجيش الليبي هو العمود الفقري لهذا المشروع.
- الإلتقاء حول السلطات المنتخبة من مجلس نوّاب وحكومة، ومهما كان إختلافنا حولها فإنّها في نهاية الأمر لا تعدوا كونها سلطات إنتقاليّة سرعان من تنتهي لتحل محلّها سلكات أخرى مختارة مباشرة من الشعب.. فلماذا نخلق مشكلة من سلطات إنتقاليّة قد لا يبقى من عمرها أكثر من 12 شهر.
- المليشيات سوف لن يقهرها غير الشعب الذي سبق له وأن أخرجها من العاصمة، وكان قد أخرجها من بنغازي.
- جميع التنظيمات المشاغبة ( إخوان وجماعة مقاتلة ودواعش وقاعدة وبقية الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة) سوف تختفي بمجرّد خروج الشعب عليها ورفضها عن بكرة أبيها. هذه الجماعات تحميها المليشيات المسلّحة، فتحييد تلك المليشيات يعني إختفاء هذه التنظيمات أو إنزوائها.
كيف يمكن للشعب أن يفرض إرادته؟
هذا هو السؤال المحيّر لكنّ الإجابة عليه ليست بالأمر المستحيل. أعتقد أنّه ليس من الصعب إعادة تحفيز جموع الشعب للقيام بثورة شعبية جديدة على الوضع القائم من خلال تشكيل خلايا وطنيّة في كل المدن الليبيّة تكون مهمتها تجهيز الشعب الليبي للثورة على الوضع القائم بهدف تغييره أسوة بما حدث أثناء حكم الطاغية القذّافي.
الخلاصة: أن الحل في ليبيا هو بأيدي الليبيّين والليبيّات وليس بيد الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو بريطانيا أو أمريكا، وقطعاً هو ليس بيد تركيا أو قطر.... فهل نسعى للتحالف مع من بوسعه أن يفيدنا مثل روسيا والصين والهند وربّما بعض الدول المنتقاة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينيّة؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك