إن الذي يفكّر بالمستحيل هو فقط من تستحيل الأمور عليه، وإنّ كل من يفكّر بأمل ويقدر على إضافة إصرار عليه فلابدّ في نهاية المطاف من أن يتمكّن من تحقيق المبتغى وإن بدأ صعباً.
حينما قامت أوّل ثورة ضد الطغيان في تونس بدأنا نحلم من جديد بفجر جديد وبعهد جديد نتمكّن خلاله نحن في ليبيا من القضاء على نظام الطاغية معمر القذّافي والبدء في تأسيس دولة عصريّة متمدّنة ومتحضّرة تحترم وتنصف كل أهلها بدون إستثناء وبدون أقصاء وبدون محاباة لهذا على ذاك.
بدأ الحلم يكبر ويترسّخ أكثر بعد قيام الثورة في مصر على نظام الطغيان، وبدأت حينها بوادر امل تكبر وتتجذّر وأصبحنا بالفعل نرى بأن ليبيا رغم طغيان القذّافي وجبروته، ورغم أن النظام في ليبيا لا يمكن مقارنته بذلك في تونس أو مصر قياساً بدرجة الطغيان والجبروت والسيطرة المطلقة على إرادة الشعب... برغم كل ذلك كنّا نتعامل بمنطق الأشياء الذي يقول إن كان جارك على اليمين قد ثار وإنتصر، وجارك على اليسار قد ثار وإنتصر فما عليك أنت إلاّ ان تثور وأن تنتصر؛ وذلك بالفعل ما حدث في ليبيا الحبيبة.
إستبشرنا خيراً في العام الأوّل لقيام الثورة ضد نظام القذّافي خاصّة بعد ذلك الإقبال الشعبي الكبير على الإنتخابات وتلك النزاهة والشفافية التي شهد بها غيرنا وقبلنا، وبدأنا نحلم ونمنّي أنفسنا معتقدين بأنّنا على بعد أشهر وليس سنوات من بناء الدولة العصريّة.
الكثير منّا من الخبرات الليبيّة المهاجرة بدأ يفكّر جديّاً في العودة إلى ليبيا للمشاركة في بناء الدولة. كنّا من أوائل المحرّضين على الثورة ضد القذّافي لأكثر من عقدين من الزمن قبل سقوطه، وكنّا من أكبر الداعمين للثورة حين قيامها إعلاميّاً ولوجستيّاً وماديّاً، ومع كل ذلك لم نفكّر إطلاقاً في الجري وراء أية مكاسب أو مناصب أو غنائم. كان أملنا الوحيد هو قيام دولة عصريّة متطوّرة يبنيها أهلها وينعم بخيراتها كل ناسها. كان الحلم كبيراً جدّاً وكان الأمل أكبر، وكانت الطموحات ربّما خياليّة؛ ولكن لما لا... فمن حقّنا أن نحلم بعد ان قتل الأمل في نفوسنا لعقود من الزمن.
بمجرّد مضي السنة الأولى على الثورة بدأت الوقائع تتغيّر على الأرض، وبدأ الناس في ليبيا يتغيّرون. تحوّل الكثير من الثوّار إلى طامعين وبدأوا يتكاثرون مثل الفيران حتى تجازوت أعدادهم الربع مليون ثائر مرتزق نتيجة لوفرة العطايا ويسر توفّرها.
بدأ رجال الدين كذلك يكشّرون عن أنيابهم بعد أن أحسّوا بأن الأبواب في ليبيا كانت قد شرّعت على مصارعها أمامهم نتيجة لتشوّق الليبيّون وتوقهم لممارسة شعائر دينهم حيث كانوا يخافون على دينهم في عهد الطاغية القذّافي مع أنّه وللإنصاف لم يمنع أحداً من ممارسة العبادة الخالصة لوجه الله وكان فقط يحارب تجّار الدين والمغالين فيه.
علمنا بعدها أنّه بينما كانت جموع الشعب الليبي تتنعّم بالحريّة الجديدة التي إنتزعتها من بين فكوك الطاغية، كان الكثير من رجال الدين والمغالين فيه والذين عادوا لتوّهم من أفغانستان والصومال والعراق والكثير من البلاد الأوروبيّة.... كانوا يكدّسون السلاح ويستولون على المناصب ويخطّطون لمشروع لم يخطر ببال الليبيّين الذين قاموا بالثورة على الطغيان. كان رجال الدين والمغالين فيه يخطّطون لإنشاء دولة دينيّة مشدّدة في ليبيا لها برامجها ومخطّطاتها وأبجدياتها التي لم تكن نفسها أبجديات الشعب الحالم البسيط المتواضع.
بدأ رجال الدين يسيطرون على كل ما تقع عليه أيديهم وخرجوا بكل تبجّح في بنغازي وهم يستعرضون قوّتهم معلنين بذلك أنّهم جاهزون للسيطرة على مقدّرات الأمور في ليبيا، ولم يكترث الشعب الليبي كثيراً حينها؛ فهذا الشعب المتديّن لم يخطر على تفكير أي منه بأنّ هناك من يرغب في إستخدام الدين كسلاح يستحوذ به على صنع القرار في ليبيا وبذلك يسيطر على قرار هذا الشعب ويخضعه قسراً لإرادته.
تغيّرت الحياة في ليبيا وبدأت الأيّام تتباطأ، وبدأت الأحلام تتبخّر يوما بعد يوم. بدأ الإحباط يدب إلى أفئدة الناس حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من تأسيس لدولة فاشلة بكل المعايير يصبح الناس فيها في كل يوم على أخبار القتل والإغتيال والسرقة والإختطاف من أجل قضايا خيالية.
تحوّلت ليبيا إلى جهنّم على وجه الأرض، وبدأ الناس يخافون على أنفسهم وعلى معيشتهم وعلى أمنهم في بيوتهم. لقد أصبحت ليبيا دولة فاشلة بكل المعايير وعلينا الإعتراف بهذه الحقيقة الماثلة.
هل بوسعنا إعادة الأمور إلى نصابها؟
الحياة أمل والذي يفقد الأمل لا يمكنه أن يصنع الحياة. مازال في ليبيا الكثير الكثير من الناس الطيّبين، ومن الناس العقلانيّين، ومن الناس الحالمين. مازالت بلادنا تعيش بداخلها الملايّين من أهلها الذين أزيحوا عن الواجهة لكنّهم ما زالوا يحتفظون بالمقدرة على إعادة الأشياء إلى مواضعها... أي تلك التي شهدتها بلادنا في السنة الأولى لإنتصار الثورة على القذّافي.
من وجهة نظري، علينا بألاّ نفقد الأمل رغم كثر الأسى، وعلينا بأن نحافظ على ثقتنا بمقدرتنا على التغيير رغم هذا الخراب البنياني والإجتماعي والإعتباري الذي نراه امام أعيننا وهو يحيط بنا من كل صوب ومن كل إتّجاه. علينا بأن نتحسّس القوّة بداخلنا وبأن نبدأ في الإعتماد على مقدرتنا على التغيير من جديد كما كنا قادرين عليه بالأمس.
نعم... وانا على دراية بأن معطيات اليوم هي ليست معطيات الأمس، حيث كان عدّونا يقف أمامنا وبكل وضوح. عدوّنا اليوم وللأسف يعيش بيننا ويقول بأنّه منّا ويعمل لمصلحتنا، وهذا بكل تأكيد يعتبر مصيبة كبيرة ولكن مازال بإمكاننا التعامل معها وبكل إقتدار إن نحن تمكّنا من الجلوس مع بعض من جديد وبدأنا جماعة في التفكير والتخطيط والبرمجة .
كيف يمكننا إحداث التغيير؟
أنا أرى بأنّنا تخلّينا عن ليبيا في وقت كانت هي في أمس الحاجة فيه إلينا، وعلينا في هذا المضمار أن نعاتب أنفسنا ولكن بألاّ نعاقبها. علينا بأن نعاتب أنفسنا بأن نعترف بتقصيرنا مع يقين في داخل أنفسنا يوحي لنا وبكل قوّة بأن تقصيرنا لا يعكس فشلاً في إراداتنا ولا عقماً في قدراتنا ولا تردّياً في تفكيرنا. مازلنا نمتلك المقدرة على التغيير ولكن بكل تأكيد تنقصنا الإرادة، وهذه بالإمكان إكتسابها من جديد.
علينا بأن نفكّر جماعة وبأن نعمل على تجميع صفوفنا من جديد. علينا بأن نبحث عن الطرق والوسائل التي تمكّننا من تقدّم الصفوف والبدء في قيادة التغيير من الأمام. أنا على يقين بأن ما أقوله الآن من الممكن تحقيقه وإن كان ليس باليسير. الحياة جد وإجتهاد، وعلينا بأن نخوضها وفق تلك المعطيات والمفاهيم.
أنا أريد هنا أن أطرح مشروعاً قد يحتاج منكم إلى الإضافة أو التعديل أو الإرتكاز عليه للتفكير في مشروع على سياقه ولكن بإنتاجكم وأنا معكم بكل ما أستطيع.
المشروع الذي أطرحه عليكم يتمثّل في النقاط التالية:
- التواصل مع بعض والبحث الجدّي عن كل ليبي وليبيّة يفكّرون بهذه الطريقة وبهذا الإصرار على التغيير.
- البعد عن التصادم والمواجهة في هذه الفترة حتى لا يحاول الغير القضاء على هذا المشروع في أوانه وبدون خوف، لكن مع الحذر بدون شك.
- التواصل مع قيادات الجيش الليبي الحقيقيّة في كل ليبيا بهدف تجميعهم ومساعدتهم للتنسيق فيما بينهم بكل مهنيّة وعدل.
- العمل مع قيادات الجيش على تأسيس جيش وطني قادر، وربّما يمكن إعتبار جيش معركة الكرامة" نواة له مع سعينا نحن المثقّفين والمتعلّمين المدنيّين للدفع بإشراك كل قيادات الجيش في تكوين والإشراف على الجيش الليبي بما يتوافق مع ملاك الجيش الليبي من حيث ترتيب وتوظيب القيادات العسكريّة.
- التواصل مع الدول الغربيّة عن طريق فريق وطني مقتدر يتشكّل من خيرة القيادات الليبيّة الوطنيّة لطلب العون العسكري واللوجستي بعيداً عن التدخّل العسكري المباشر بأي شكل من الأشكال.
- بمجرّد تكوين الجيش وتواصله مع بعض وتحوّله من جديد إلى جيش وطني متكامل يخضع للقانون والنظم العسكريّة؛ يقوم هذا الجيش بالتعاون معنا بالإستيلاء على السلطة مع الحفاظ على الأجهزة الإدارية المنتخبة من مجلس النوّاب وبقية الإدارت العاملة في الدولة... بمعنى أن يسيطر الجيش على مقاليد الأمور في البلاد بدون إلغاء الإدارة المدنية.
- بمجرّد إستيلاء الجيش على مقاليد الأمور في البلاد والسيطرة على الوضع بالكامل، يتم إعلان حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر معروفة ومعلنة.
- يبدأ الجيش الوطني بتفعيل جهاز الشرطة وفق أسس وطنية صرفة ليتكامل الجيش والشرطة في مشروع وطني موحّد له نفس الأهداف المعلنة.
- يبدأ الجيش الوطني مع الشرطة في تفعيل الأجهزة الأمنيّة بكل أشكالها بحيث تتعاون تلك الأجهزة الثلاث (جيش وشرطة وأجهزة أمن) مع بعضها بكل تناسق وتكامل وفعالية.
- يفعّل القضاء بالكامل وتتعهّد الشرطة بتوفير الحماية الكاملة لكل رجال القضاء بدون إستثناء.
- يقوم الجيش بإصدار أمر ملزم لجميع الميليشيات المسلّحة بتسليم سلاحها في مدة لا تتجاوز إسبوعين على أن يتم تجريد السلاح بالقوّة من كل من يتخلّف عن التسليم بعد ذلك.
- بمجرّد إستتباب الأمن وسيطرة أجهزة الشرطة على الوضع، ينسحب الجيش إلى ثكناته وتعود الحياة المدنيّة إلى ليبيا لتواصل الأجهزة المدنيّة من برلمان وحكومة ولجنة الدستور أعمالها كما كان مقرّراً لها بعيداً عن التدخّل أو السيطرة من أية جهة.
أنا أطرح هذه النقاط من إجتهادي الخاص لكنّني على إستعداد كامل لمناقشتها والتعاون مع كل من يبحث عن حل عملي لمشاكل بلادنا حتى ربما نستطيع جماعة بأن نخرج من هذه الدوّامة القاتلة والمفسدة والتي تنذر بتمزيق نسيج المجتمع وتدمير وحدة البلد.
وأنا إذ أعلن عن هذا المشروع البسيط المتواضع فإنّني على ثقة كاملة أنّه في حالة التصارح مع أبنء وبنات شعبنا ووضع كل شئ بكل شفافية أمامهم فإنّهم حينها سوف لن يرتابوا ولن يتردّدوا في الوقوف مع الجيش والشرطة وبكل قوّة، وبذلك يتحصّل جيشنا الوطني والأجهزة المعاونة له من أمن وشرطة على التأييد الشعبي الغير متردد؛ وتلك هي القوة الحقيقيّة التي بإمكانها هزيمة كل من يعيث في البلاد فسادأً أو يسعى للإستيلاء على إرادة هذا الشعب بإسم الدين أو بإسم الثوريّة.... فهل من مستجيب؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك