عندما تسود العاطفة على العقل يتوه الإنسان في عالم يجد نفسه فيه غريباً
فتضيع بوصلة الحياة من بين يديه ويتوه... أحياناً بعد فوات الأوان.
في هذا المقال المتواضع أنا وددت بأن أخرق جدار الصمت وأن أخرج عن المألوف، لأنّني أحسست بأنّ هناك الكثير ممّا يجب
إخراجه للعلن بهدف طرحه للنقاش والحوار من أجل الوصول إلى الأحسن. أنا هنا سوف أتحدّث عن رأيي الخاص وعن وجهة نظر تخصّني، فإن شاركني فيها البعض فإنّ ذلك سوف يكون إنتصاراً لصوت العقل، وإن خالفني البعض فسوف أحترم وجهات نظرهم وأستمع إلى أرائهم مهما كانت مخالفة لرأيي.... فأننا أؤمن بوجوديّة "تعدّد الأراء"، وهذه الوجوديّة تصل عندي إلى درجة القداسة.
حزب
الله اللبناني
حزب الله أو المقاومة الإسلامية في لبنان هو تنظيم سياسي عسكري متواجد على ساحة لبنان السياسية والعسكرية على مدى أكثر من عشرين عاماً، وقد اكتسب وجوده عن طريق المقاومة العسكرية للوجود الإسرائيلي خاصة بعد اجتياح بيروت عام 1982، وكلّل الحزب عمله السياسي والعسكري بإجبار الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو من عام 2000، وتصدّى له في حرب يوليو 2006 بعد أن ألحق في صفوفه بخسائر كبيرة أعتبرت في "إسرائيل" بمثابة إخفاقات خطيرة وتهديد لأمن "إسرائيل" ووجودها كدولة في هذه المنطقة.
البارجة
الحربيّة الإسرائيليّة "ساعر" وهي تحترق أمام وسائل الإعلام في عام 2006
قال
حسن نصر الله أثناءها: "المفاجأة التي وعدّتكم بها سوف تبدأ من الآن... الآن
في عرض البحر في مقابل بيروت، البارجة العسكرية الإسرائيلية التي اعتدت على بنيتنا
التحتية وعلى بيوت الناس وعلى المدنيّين، أنظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات
الجنود الإسرائيليين".... وبالفعل إحترقت "ساعر" وغرق جنودها.
تشكل الحزب في ظروف يغلب
عليها طابع "المقاومة العسكرية" للإحتلال الإسرائيلي الذي إجتاح لبنان
في عام 1982، ولذلك
فالحزب يبني إديولوجيّته السياسيّة على أساس مقاومة الإحتلال.
وكانت أولى العمليّات التي قام بها الحزب وأكسبته شهرة مبكّرة في العالم العربي، قيامه بنسف
مقر القوات الأمريكية والفرنسية في أكتوبرعام 1983، وقد أسفرت تلك العملية عن مقتل 300 جندي أمريكي وفرنسي..... {مقتطفات
من ويكيبيديا}.
كما نعرف فإنّ حزب الله هو
حزب إسلامي بتفكير وإجتهاد شيعي ولا أحد ينكر بأنّ هذا التنظيم يتبع إيران دينيّاً
وإستراتيجيّاً، ويستلم العون والمساعدة من إيران.... لكن الحزب يبقى في نهاية
المطاف لبنانيّاً وعربيّاً ووطنيّاً، ولم يسبق لهذا الحزب أو أي من مقاتليه فرض
إرادته أو أجنداته على الدولة اللبنانيّة مع أنّه يمتلك القدرة على فعل ذلك. أمين
الحزب السيّد حسن نصر الله شهد له أعداءه قبل أصدقاءه على أنّه إنساناً ذكيّاً
ومتعقّلاً وله من الحنكة السياسيّة ما يفتقده غيره من القادة والحكّام العرب....
والمسلمين أيضاً.
إيران... التي نعاديها
إيران تعتبر دولة إسلاميّة
يؤمن أغلب أهلها بالمنهج الشيعي الذي ترجع جذوره إلى تلك الوقفة من بعض المحبّين
للسيّد على بن أبي طالب إبن عم رسول الله عليه السلام حيث رأوا حينها بأنّ السيّد علي
بن أبي طالب هو الأحق بالخلافة بعد وفاة رسول الله، وكانوا يبنون تفكيرهم على أساس
أن علي هو إبن عم رسول الله وهو زوج إبنته فاطمة، وهو من نام في مكان الرسول حين
كان المصطفين من شباب قريش يتربّصون به لقتله، وهو بذلك كان قد فدا رسول بنفسه وإنتصر
للإسلام بذلك الموقف النبيل في سبيل رفع راية الحق عالية خفّاقة في وقت كان فيه
الإسلام لازال ضعيفاً.
سواء إتفقنا مع أولئك
المتعاطفين مع السيّد على بن أبي طالب أو إختلفنا معهم فهم كانت لهم وجهة نظرهم،
وكان ذلك هو تفكيرهم حينها، لكن علي بنأبي طالب لم يمنعهم من التشيّع له أو
مناصرته كما تقول لنا كتب التاريخ.
ولكن لنترك المتشيّعين قليلاً
لنعرّج على إيران الدولة الإسلاميّة الكبرى والتي أصبحت في نظر وهابيي السعودية
الخائفين على عرش ملوكهم المتخلّفين... التي أصبحت في نظر أولئك بمثابة أكبر
الكوابيس التي يرونها تهدّد وجودهم حتّى أنّهم بدأوا يحاربونها من أجل بقاء
"إسرائيل" التي يطمأون إليها قدر إطمئنانهم إلى حريمهم.
إيران كما يعرف الكثير
منكم هي بلاد فارس، وهي الدولة الثامنة عشر في العالم من حيث المساحة، إذ تبلغ
مساحتها ويبلغ عدد 1,648,195 كيلومتر مربّع ( مساحة
السعوديّة 2,149,690 كيلومتر مربّع)، ويبلغ عدد سكّانها 79,853,900 مليون نسمة ( عدد سكّان السعوديّة
26,939,683 مليون نسمة)، منهم 89% من الشيعة أغلبهم من الطائفة الإثنى عشريّة
والقليل منهم من الشيعة الآخرين، وتصل نسبة السنّة في إيران 12% من مجموع عدد
السكّان. يبلغ عدد سكان عاصمتها طهران 8.8 مليون نسمة.
تعتبر إيران الدولة رقم 28
من حيث كبر الإقتصاد في العالم، وبلغ دخلها السنوي في عام 2011 ما مقداره 548.9
بليون دولار أمريكي شكّل النفط 80% من مصادرها ( دخل السعوديّة 727.3 بليون دولار
أمريكي). إيران تم إعتبارها رسميّاً من طرف الأمم المتحدة كدولة شبه نامية في عام
1999 بمعنى أنهى إستطاعت الخروج من قائمة الدول السائرة في طريق النمو من حينها.
إيران كان لها إسهاماتها
المعتبرة في حضارة العالم المعاصرة في مجالات الفلك والعلوم الطبيعية والرياضيّات
والطب والفلسفة من خلال علمائها المسلمين من أمثال الرازي والخوارزمي وغيرهما.
تشهد إيران تقدّماً
علميّاً كبيراً رغم تكرار الحصار عليها من قبل أمريكا والكثير من الدول في أوروبا
الغربيّة، ويعتبر معهد المهندسين للكهرباء والإليكترونات من أهم الصرح العلميّة في
إيران حيث تمكّن العلماء من خلاله من صنع إنسان آلي (سورينا) صنّف الخامس في العالم
أجمع من حيث الذكاء والمقدرة على الأداء. تعتبر إيران الدولة التاسعة في العالم ي
علوم الفضاء حيث صنعت قمرها الصناعي (أوميد) بمجهودات وطنيّة بالكامل في عام 2009،
وصنعت له صاروخاً حمله إلى الفضاء الخارجي بنجاح.
تعتبر إيران من ضمن العشرة
الكبار في زراعة الخلايا الجذعيّة، والدولة رقم 15 في التقنية المتناهية في الصغر Nanotechnology، فأين بربّكم تقع السعوديّة
في مجال العلم والتقنية، وأين هي إبداعات الوهابيّين في مملكة الكبت؟.
إيران.... هو الإسم الحديث لبلاد فارس، وأهل إيران كانوا
في البداية كلّهم من السنّة، وكان سكان إيران يتبعون المذهب الشافعي والمذهب الحنفي حتى القرن السادس عشر الميلادي حيث تحوّلت
إيران تدريجيّاً إلى المذهب الشيعيحتّى العام 1722م.
الصفويّون هم آل صفويان،
وهم من سلالة الشاهاتكانوا، وكانوا في البداية من الشافعيّة، لكنّهم غيّروا
الإعتقاد إلى شيعة رسميّاً في عام 1501 كنوع من المقاومة للنفوذ التركي السنّي في
إيران وبذلك تكوّنت دولة الصفويّين الإيرانيّة الإثنى عشريّة حتى العام 1722 حين
تم إنهاء الدولة الصفويّة على أيدي الأفغانيّين الذين إحتلّوا أصفهان العاصمة
الصفويّة حينها، لكنّ المذهب الشيعي ضلّ متبعاً في إيران حتى يومنا هذا. للشيعة
علمائهم ومفكّريهم المسلمين، ولهم رواة للحديث كما هو الحال بالنسبة للسنّة. لم
أتمكّن من معرفة عدد المساجد في إيران، ولكنّني وجدت الكثير من الإشارات التي تقول
بأن إيران تحتوي ‘لى أكبر عدد من المساجد في أية دولة إسلاميّة في العالم كلّه،
منها حوالي 12,222 مسجداً للسنّة الذين يصل عددهم إلى 10 مليون نسمة.
مسجد في شيراز
مؤتمر سنّي ضد الشيعة
إنعقد في القاهرة منذ يومين مؤتمراً بعنوان
"موقف علماء الأمة من القضية السورية" بمشاركة لفيف من العلماء والدعاة،
وبدعوة من الشيخ يوسف القرضاوي. وجاءت أبرز الرسائل متضمّنة في البيان الختامي
الذي أكد وجوب الجهاد من أجل نصرة الشعب السوري بالنفس والمال والسلاح من أجل
إنقاذه ممّا سمّاه المؤتمر "نظامه الطائفي"، فضلا عن وصف ما يجري في أرض
الشام بأنه "حرب على الإسلام والمسلمين يشنها النظام الإيراني وحزب الله
وحلفاؤهم الطائفيون"، مطالبا في هذا الشأن بمقاطعة البضائع والشركات
والمصالح الإيرانية.
وكان لافتا أن تتضمن كلمة رئيس
الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي تأكيدا على أن الحرب في سوريا حرب ضد
الإسلام، مطالبا الشعوب الإسلامية بأن تهب لحماية إخوانها في سوريا وأن تكون
مستعدة للتضحية والجهاد.
وبدا التركيز على الجانب
الطائفي واضحا في كلمة القرضاوي الذي اعتبر ما يحدث في سوريا نوعا من
"الإبادة" لأهل السنة، وقال إن "حزب الشيطان" (في إشارة إلى
حزب الله اللبناني) دخل إلى القصير ليقتل أهل السنة ويعلن طائفيته، مؤكداً أن على
الشعوب العربية والإسلامية ألا تصمت على ذلك.
أما رجل الدين المصري
الدكتور صفوت حجازي فذهب مباشرة إلى اعتبار أن القتال إلى جانب الشعب
السوري واجب وفرض، ودعا إلى تشكيل ألوية مقاتلة باسم علماء أهل السنة للجهاد
هناك، والرد على ما قام به الشيعة في لبنان وغيرها من تسيير مقاتلين إلى سوريا
لمساندة النظام هناك.... إستمع إلى هذا الرابط ، و إستمع إلى بيان المؤتمر .
هل يجوز لليبيا بأن تكون
طرفاً في هذا الصراع الديني
كما نعرف فإنّ ليبيا كانت
قد خرجت مرهقة من صراعها ضد الديكتاتوريّة، وما كادت أن تنتصر حتى بدأت المشاكل
تتراكب في كل يوم من قبل جماعات حاولت الإستفادة من الفراغ السياسي في البلد وغياب
شبه كلّي لقيادة معتبرة يكون بمقدورها جذب الشارع وراءها من خلال رؤية مستقبليّة
واضحة، ومن خلال كاريزما قياديّة تكون قدوة لكل الليبيّين فيجتمعوا حولها. كذلك
فإنّنا نجد بأن الكثير من المتديّنين والذين حاربهم الطاغية القذّافي بسبب أفكارهم
بسبب أفكارهم المتشدّدة، وفتاوي بعضهم التي عمدت إلى تكفير القذّافي ونعته بالناكر
للسنّة والخارج عن الإسلام في بعض الأحيان.... نجد هؤلاء وقد عادوا إلى ليبيا وهم
يحملون في تفكيرهم وأجنداتهم الحصريّة تحويل ليبيا إلى بلد إسلامي حصري يكون
بمثابة "إمارة إسلاميّة" تتعارض مع وجود الغير مسلمين فيها.
كما نعرف أيضاً فإنّ
الكثير من المتشدّدين (المغالين) في الدين كانوا قد هربوا من ملاحقة رجال أمن
الطاغية القذّافي فتلقّفتهم الجماعات المتطرّفة في كل من السعوديّة وأفغانستان وفي
الكثير من الدول الأوروبيّة وشمال أمريكا حيث وفّرت لهم تلك الجماعات المتطرّفة
الملاذ الآمن والمأوى المعيشي مقابل إعتناقهم لأفكار ومناهج تلك الجماعات التي
تعتبر تكفيريّة في معضمها، والتي تعتمد العنف والجهاد كوسيلة وحيدة لبلوغ
"الأهداف"، وهذه الأهداف كما يعرف الكثيرون هي غير محدّدة وهي متجدّدة
بما تمليه المرحلة الراهنة في كل فترة زمنيّة حسب المكان وحسب المتاح من القوّة
القتاليّة (الجهاديّة).
رجال الدين الليبيّين حين
سقط القذّافي عاد أغلبهم إلى البلاد والكثير منهم يحلم بمجد وجاه وسلطان، فكانوا
هم من أوّل المستفيدين من الفراغ السياسي الذي نتج عن سقوط نظام الطاغية المقبور فعمدوا
إلى تشكيل ميليشيات مقاتلة مدجّجة بالسلاح على غرار جماعات الطالبان في أفغانستان،
بعد أن تمكّنوا من وضع إيديهم على أكداس السلاح التي إستولوا عليها من معسكرات
القذّافي بالإضافة إلى تلك التى دخلت إلى ليبيا
من خارجها من أطراف لا تريد لليبيا بأن تصبح دولة عصريّة تحكم بالنهج
الديموقراطي الذي يحتكم إلى صناديق الإقتراع، وبعض تلك الدول التي أرسلت السلاح
إلى ليبيا كانت حاضرة في مؤتمر يوم الإربعاء الماضي في القاهرة.
أنا أرى بأن ليبيا كانت قد
إستعجلت في إتخاذ موقف قوي في عهد المجلس الإنتقالي بقيادة المستشار مصطفى عبد
الجليل يقضي بمساندة ليبيا ووقوفها بكل قوّة وراء الميليشيات والقوى الأخرى التي
كانت تعمل على الإطاحة بنظام بشّار الأسد الديكتاتوري بما في ذلك تقديم العون
المالي المجزي وتسهيل دخول اللاجئين السوريّين إلى ليبيا مما خلق الكثير من
المشاكل بعد ذلك مما دفع الحكومة الليبيّة الجديدة والمؤتمر الوطني إلى إخراجهم من
بنغازي وتجميعهم بقرب الحودو المصريّة في معسكرات غلقة تحاصرها الميليشيات
الأمنيّة الليبيّة.
لقد تبيّن أخيراً بأن من يسمّون
أنفسهم "ثوّار سوريّا" تم إختراقهم من قبل الكثير من الجماعات المتطرّفة
من أمثال جبهة النصرة الجهاديّة والتي تتبع تنظيم القاعدة الوهابي السلفي ممّا
أساء إلى شباب سوريا وشابّاتها الذين خرجوا بكل عفويّة وبدون سلاح من أجل المطالبة
بإسقاط النظام الديكتاتوري وإحلال نظاماً ديموقراطيّاً محلّه يعكس تظلّعات كل
السوريّين إسوة ببقيّة الدول العربيّة التي شملتها ثورات الربيع العربي. عملت
الجماعات الدينيّة المتشدّدة المدعوة من قطر والسعوديّة وتنظيم القاعدة في
أفغانستان على تحويل الثورة الشعبية العفوية في سوريا إلى حركة مسلّحة تبيّن بأن
الكثير من ينتمون إليها وقودونها هم عبارة عن جماعات دينيّة متطرّفة ومغالية في
التشدّد بإسم الدين ممّا حوّل الصراع في سوريا إلى صراع ديني وطائفي بين السنّة
والشيعة مما أدخل قوى خارجية وبكل ثقلها في الصراع بحيث بدأ وكأن الإهتمام بالشأن
السوري يتجاوز بكثير أهلها ومحاّيها ليشمل أولئك المعروفين بتنافسهم الخفي منذ
عشرات السنين وخاصة إيران والسعوديّة. لقد تحوّل الوضع في سوريا من حركة وطنيّة
سورية تنشد الحريّة وتسعى لتأسيس دولة ديموقراطيّة لكل السوريّين إلى جماعات
ثأريّة ليس لها من هدف غير تكفير الآخرين بهدف القضاء عليهم من خلال الدعوة للجهاد
الطائفي والذي سوف يحوّل سوريا إلى بقعة ساخنة مفتوحة الحدود لكل من يحمل السلاح
وكل من يحمل أفكاراً غريبة وشاذّة... أو على الأقل لا تتماشى مع الزمن الي نعيش
فيه الآن.
المشكلة الأخرى التي وجدت
ليبيا نفسها متورّطة فيها حتى لنخاع هي إنضمامها التلقائي لأنظمة رجعيّة متخلّفة
مثل تلك التي تحكم في دول الخليج العربيّة والسعوديّة مثالاً، وكذلك وجدت الدولة
الليبيّة فيها نفسها مضطرة بحكم الواقع للوقوف في طابور من يعادي القوّة الضاربة
الوحيدة في المنطقة العربيّة ككل - والتي بحق تخافها إسرائيل - وهي قوّة حزب الله
اللبناني، أي أن ليبيا تقف الآن في صف من يعمل على القضاء على المقاومة اللبنانيّة
لصالح الدولة العربيّة وهو شرك نصبته الدولة العبريّة بدعم من أمريكا وأذنابها في
منطقة الخليج العربي وربّما مصر أيضاً مع أن الحكومة المصريّة مازالت تتحفّظ وإلى
حد الآن عن المجاهرة بمعاداة حب الله إيران.
ليبيا أيضاً بذلك الموقف
المتسرّع والغير مدروس وجدت نفسها الآن تقف في صف الدول الرجعيّة التي يقيم أغلبها
علاقات تجاريّة وديبلوماسيّة مع العدو الصهيوني، والتي في مؤتمر القاهرة الأخير
أخذت تطالب علانيّة من كل البلاد الإسلاميّة بتشكيل فرق قتاليّة مدعومة بالسلاح
للهاب إلى سوريا والدخول في حروب هناك ضدة الشيعة ولتي يقصد بها بدون شك إيران، مع
الدعوة القويّة إلى مقاطعة إيران الإسلاميّة تجاريّاً وديبلوماسيّاً وهو نفس
المسعى الذي حاولت أمريكا تسويقه لدول الخليج منذ عدة سنوات لكن الضغط الشعبي حال
دون موافقة حكّام دول الخليج المدعومين أمريكيّاً للإقدام على ذلك لكن أمريكا وجدت
الآن الفرصة الذهبيّة من خلال الشيخ يوسف القرضاوي الذي أعلن صراحة الآن معاداته
لكل ما هو شيعي فوافق على الطلب الأمريكي بدعوة دول الخليج ومن يسير في القلك
الأمريكي من الدول الأخرى مثل مصر للحضور إلى مصر والمشاركة في المؤتمر المذكور
أعلاه مستغلّين هذه المرّة الإسلام الطائفي الذي يؤجّج الضغينة بين المسلمين من
السنّة والشيعة بحجة أن الشيعة - و"الإثنى عشريّة" على وجه الخصوص-
تعتبر خارجة عن الإسلام وهي بحكم "الكافر" ومن ثم تتوجّب مقاتلهم من قبل
كل السنّة بدافع "نصرة الدين الإسلامي" وهو نفس المسعى الذي حاولت
الصهيونيّة العالمية بمساعدة أمريكا وبعض المتطرّفين الأوروبيّين من زرعه في
المنطقة حتى تتحوّل المنطقة العربيّة إلى بؤورة متأزّمة تتقاتل فيما بينها بما
يتيح لغيرها من تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه منذ إنتهاء الحرب العالميّة الثانية وحتى
يومنا هذا.
كما يعرف الكثيرون فإن
"إسرائيل" لا تخاف من أي نظام عربي، ولا تخاف من أي جيش عربي قدر خوفها
من مقاتلي حزب الله اللبناني الذين برهنوا في عام 2000 وفي عام 2006 على أنّهم
يشكّلون خطراً حقيقيّاً على وجود الدولة العبريّة من حيث الأساس.
"إسرائيل" حاولت جادّة بمعاونة
أمريكيّة علنيّة القضاء على حزب الله اللبناني بشتى الطرق والوسائل والخدع لكنّها
فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً فوجدت ظالّتها الآن في ثورات الربيع العربي وإستخدمت
دواعي تلك الثورة التحرّريّة للهجوم على نظام الأسد في سوريّا بهدف إسقاطه والهدف
بكل تأكيد لا علاقة له بقضيّة "تحرّر" العرب أو المسلمين، ولا علاقة له
البتّة بقضيّة الديموقراطيّةو في هذه البلاد بقدر علاقته الأكيدة بتأمين الدولة
العبرية من مخاطر حزب الله عليها حيث عرف صنّاع القرار في أمريكا وفي
"إسرائيل" نفسها بأن حزب الله بمعاونة إيران يمتلك الرغبة ويمتلك المعين
لمهاجمة الدولة العبريّة وربما القضاء عليها بالكامل خاصّة وأن إيران جادة في
برنامجها لنووي والذي سوف بكل تأكيد ينتج القنبلة النووية التي تخافها "إسرائيل"
وترتعب منها على أساس أنّ حصول إيران على هذه القنبلة يعني إستخدامها ضد الصهاينة
ربما عن طريق حزب الله وذلك يعني بكل أكيد إبادة الدولة العبريّة من جذورها وهي
قضيّة حياة أو موت بالنسبة للساسة الصهاينة.
تمكّنت أمريكا أخيراً من
تحويل إيران من مجرّد بعبع يخيف دول الخليج الضعيفة والخائفة إلى عدو حقيقي يتجاوز
عداء هذه الدول "النظري" لإسرائيل، وبالفعل صدّقت هذه الدول بأن إيران
تشكّل الخطر الأكبر الذي يهدّد عروش
حكّامها الطغاة الذين يحتمون بأمريكا للحفاظ على سيطرتهم لشعوبهم بقوة الطغيان
وبقوّة فتاوي رجال الدين الذين وهبوا أنفسهم لخدمة أصحاب الجلالة والذين بكل تأكيد من بينهم الشيخ يوسف القرضاوي
صاحب الصوت الأقوى ضد حزب الله وضد دولة إيران الإسلاميّة... وهي بالفعل إسلاميّة
وليست يهوديّة، ولا تحتل القدس الشريف.
إيران لم يسبق لها أن
هدّدت دول الخليج منذ إحتلال العرب المسلمين لها في عام 644م، وإيران تبقى في
نهاية المطاف دولة يؤمن شعبها بالإسلام ويقول في كل يوم "أشهد أن لا إله إلا
الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله" وهذه لا يقولها شعب "إسرائيل"
ولا يقولها الشعب الأمريكي إن كان هناك من يفهم من هؤلاء الحكّام الأغبياء.
من من العرب قام بمحاربة
"إسرائيل" منذ تأسيسها في عام 1948، ومن من العرب إستطاع أن يذل هذه
الدولة العبريّة منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم غير حزب الله اللبناني بمعاونة إيران
عن طريق سوريا؟. من ذالك الذي أمدّ حماس في غزة بالسلاح وبالمقاتلين لدعم صمودها
ضد الصهاينة... أليس هو حزب الله اللبناني؟. من ذاك الذي أقام علاقات تجاريّة
وديبلوماسيّة مع الصهاينة.. أليس هم القطريّون والإمارتيّون ومملكة البحرين ومصر
والأردن، دعك من تونس ومن المغرب ومن موريتانيا؟.
إن هؤلاء الذين يدعون اليوم
لمحاصرة إيران تجاريّاً هم أنفسهم من خان ميثاق الجامعة العربيّة الذي يمنع الدول
العربيّة بتوقيعاتها من إقامة أية علاقات مع "إسرائيل". إن الذين يطلبون
من العرب بالإتجاه نحو سوريا لمقاتلة الجيش العربي السوري ومقاتلة جنود حزب الله
اللبناني هم أنفسهم من منع المقاتلين العرب من الإتجاه نحو الجولان أو جنوب لبنان
أو سيناء. ألم يحاصر أولئك الحكّام الخانعين مصر عبد الناصر حينما كانت تقف لوحدها
وبفقرها وعلى حساب أرزاق أهلها ضد التمدّد الصهيوني المدعوم من أمريكا والكثير من
دول أوروبا الغربيّة في حين كانت المليارات العربية تستثمر في تلك البلاد ويحرم
منها المقاتل العربي في مصر وفي سوريا؟.
السنا نحن من يمارس النفاق
العلني على شعوبنا بعقد هذا المؤتمر الفضيحة الذي يدعو إلى محاربة المسلمين لصالح
الدولة العبرية التي تحتل أول القبلتين وثالث الحرمين (القدس)؟. متى إنعقد أي
مؤتمر ل"علماء الأمة" من أجل تحرير القدس أو محاربة إسرائيل أو دعم صمود
جنوب لبنان أو عزة؟.
ما هو مصدر هذه
"الصحوة" الإسلاميّة التي تدعو كل المسلمين في جميع أنحاء العالم للذهاب
إلى سوريا ومحاربة جيش الأسد " الجيش العربي السوري" دون ذكر الهدف الرئيسي
من هذه الدعوة والذي ربّما يعرفه هؤلاء الشيوخ لكنّهم وللأسف بعقمهم الذهني لم
يتمكّنوا من إستيعاب أبعاده الحقيقيّة وهي "القضاء نهائيّاً على حزب
الله" بهدف تأمين دولة الصهاينة بحيث يجتاح جيشها ومخابراتها لبنان متى شاء
وكما شاء بعد أن ظلّت مرتجفة من الإقدام على مثل ذلك الفعل منذ هزيمتها النكراء في
عام 2006 والتي شهد بها العالم المحيط بنا قبلنا، فنحن "كحكّام عرب" لا
نريد بأن نرى قوّة صغيرة لا يتعدّى عدد أفرادها عن 30,000 مقاتل وهي تتحدّى دولة
رأها الحكّام العرب بأنّها قوة عظمى ولا حول لهم بهزيمتها حكماً بالتجارب
الإنهزاميّة السابقة في عام 1948، وعام 1956، وعام 1867، وعام 1973... وحتى عام
1982 حين كان حزب الله مجرّد فكرة على الورق.
إن القضاء على نظام بشّار
الأسد في سوريا يعني بكل تأكيد القضاء نهائيّاً على المقاومة في جنوب لبنان، وهو
يعني القضاء على المقاومة في غزّة والنتيجة أمن كامل لدولة الصهاينة في حدود هي من
يحدّد أبعادها، وفي دولة هي من سوف يحدّد مساحتها وما تحتويه من أراض بما فيها كل
القدس الشريف.
وختاماً... فإنّني أعلن
هنا موقفي الواضح والأكيد من ذلك الصراع الذي يجري الآن في سوريّا ومن كل المؤامرت
التي تحاك الآن من قبل الأنظمة المتخلّفة التي تخاف على وجودها من حيث الأساس
خاصّة وأن ثورة الربيع العربي سوف تتواصل وتستمر إلى أن تتحوّل كل المنطقة إلى
ربيع عربي ينشد الحريّة ويتوق إلى أنظمة حكم ديموقراطيّة عصريّة يكون هدفها الوحيد
دخول العصر الحديث بسلاح العلم والمعرفة.
أود في الختام تلخيص ما
وددت قوله في هذا المقال الطويل في النقاط الآتية:
1- أنا أعتبر نظام بشّار
الأسد نظام حكم ديكتاتوري وإقصائي وغير شرعي ذلك لأنّه حرّف الدستور من أجل
الإستيلاء على السلطة.
2- مهما كرهنا نظام بشّار
الأسد ومهما حقدنا عليه فإنّ سوريا تظل هي بلدنا وأهلها يظلّون هم أهلنا وعلينا
المحافظة على هذا البلد.
3- مهما كره الوهابيّون
الشيعة، ومهما نعتوهم بالكفر فإن الإخوة الشيعة يظلّون مسلمين مثلنا وما نختلف
معهم إلاّ بما نختلف فيه فيما بيننا نحن السنّة.
4- حزب الله اللبناني كل
أتباعه من العرب والمؤمنين بالعروبة لأنّها تجري في عروقهم وتحملها جيناتهم
الوراثيّة، وهم من أبناء لبنان ولا علاقة لهم بإيران إلا من خلال الدعم والمساعدات
التي عجزت كل الدول العربيّة عن تقديمها لهم.
5- بدل هذه الجعجعة الجهاديّة،
وبدل تلك الدعوة للإقتتال، وبدل لدعوة لمقاطعة إيران تجاريّاً وإقتصاديّاً؛ علينا
أن نتذكّر قول الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ
أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}،
وقوله تعالى: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى
الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ
وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}..
أنا أعتقد بأن بشّار الأسد هو مستعد الآن للمصالحة، وأظنّه كان قد فاء بالفعل فلما
لم ينادي المؤتمرون بدل ذلك بالدعوة للمصالحة بين المتقاتلين بالعدل والإقساط...
أليس هذا هو كلام الله؟.
6- بالحكم بما
جرى في ليبيا، يمكننا القول بأن الهلاك هو ما سوف ينتظر سوريا بعد إسقاط نظام
الأسد فيها إن وفّق معارضيه في الإطاحة به؛ وما يقدرون على ذلك إلاّ بتدخّل أمريكي
قوي. ليبيا بالمقارنة بسوريا تعتبر دولة متجانسة بدين واحد وبدون طوائف وبمجتمع
أكثر من منسجم مع بعضه، وكان وجود إخوتنا الآمازيغ في ليبيا أكبر داعم لوحدة البلد
بحيث برهن أهلنا من الأمازيغ على أنّهم أبناء وبنات ليبيا قبل أن يكونوا
أمازيغاً.. بحيث إنتصرت الوطنيّة على الإثنيّة، كما إنتصرت الوطنيّة على الطائفيّة
الدينيّة في ليبيا أيضاً بحكم أن أهلنا الأمازيغ هم من أتباع المذهب الأباضي الذي
يكفّر كل أتباعه مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني وكلمن يفكّر بتفكيره ويسير
بعقليّته من السلفيّين والتكفيريّين. ليبيا، برغم كل ذلك وبرغم إنتشار السلاح،
وبرغم بذور الفتنة التي زرعها الطاغية القذّافي بين أهلها.... برغم كل ذلك وغيره، بقيت
ليبيا دولة متماسكة رغم كل الصعاب وذلك بسبب وجود الرابطة الإجتماعيّة القويّة في
هذا البلد ونظراً لتلك العلاقة الأخوية المتينة بين العرب والأمازيغ في هذا البلد
والتي تجاوزت بكل تأكيد مجرّد التوافق لتصل إلى مستوى التزاوج والتصاهر والتآخي
وإختلاط الأنساب والدماء، مما يجعل من ليبيا دولة مثاليّة في الإنسجام الإجتماعي
والترابط الأخوي بين عربها وآمازيغها وطوارقها وتبوها. هذا الوضع يختلف كليّة عنه
في سوريا حيث الإختلافات بجميع أشكالها من دينيّة (طائفيّة) إلى عرقيّة (إثنيّة)
وإلى إرتباطات خارجيّة بدول الجوار المتصارعة فيما بينها بشكل جنوني. كذلك يضاف
إلى سوريا عامل التشدّد الديني والمنهج التكفيري الذي بدأ الآن يسود في سوريا ويسيطر
على الوضع الميداني فيها، وهذا من شأنّه أن يحوّل سوريا إلى بلد تتصارع فيه كل
المتناقضات بشكل من الصعب تصوّر نهاية حميدة له. وإذا كان العراق قد حدث به ما حدث
بعد الإطاحة بنظام صدّام حسين، فربّما
يصبح من السهل علينا تصوّر كيف سيكون عليه الوضع في سوريا بعد إسقاط نظام الأسد
الديكتاتوري.
من هنا فإنّني
أدعو كل الإخوة السوريّين والسوريّات إلى الجلوس حول طاولة الحوار والتباحث بخصوص مستقبل بلادهم على
أسس ديموقراطيّة عصريّة يتم بعدها طرد كل دخيل على الثقافة
والعقليّة السوريّة التي نعرف بأنّها متفتّحة ومتطوّرة ومتحضّرة في الأساس وفي
الجوهر.
ونصيحة أخويّة لكل أهلنا في سوريا... أنا أعتقد بأنّ الحل المثالي للوضع السوري أخذاً في الإعتبار كل التعقيدات المذكوره أعلاه والكثير مما لم يتم ذكره ... أعتقد بأن الحل المثالي للوضع في سوريّة ربّما يكون بإعتماد "الحل اليمني". في اليمن، ذهب الديكتاتور علي عبد الله صالح، وتوافق اليمنيّون على حل وسط حفظ لليمن جيشها من التفكّك، وحفظ لليمن وحدتها الوطنيّة، وأبعد اليمن عن الصراعات الطائفيّة والدينيّة والعرقيّة.
الوضع في اليمن هو بكل تأكيد أحسن منه في سوريا، وبذلك فإنّ على الشعب السوري من وجهة نظري القبول بالحل اليمني كمخرج مشرّف لأبناء وبنات سوريّة، وبعدها بإمكانهم بناء ديموقراطيّتهم كما يشتهون بعيداً عن تدخّل المتربّصين بسوريا والذين لا تهمّهم إلاّ مصالحهم. أليسوا هم من سبق وأن أفتى ب"جهاد المناكحة" مع السوريّات وهم يعنون بذلك كل من هبّ ودب من أولئك المتخلّفين في كل أصقاع العالم الفقيرة والمنحطّة ليذهبوا إلى سوريا فيقاتلوا ويناكحوا السوريّات؟. هل توجد إهانة أكبر من هذه لأهل سورية الآشاوس الذين لا يمكنهم أبداً أن يرضوا بهكذا تحقير وبهكذا إهانة من طرف أناس مازالوا يعيشون بعقليّة العصر الحجري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك