قانون العزل السياسي ينزع البلد من أيدي العقلاء ليضعها في مخالب العشوائيين والجهلاء.... فعجبي لشعب يقف متفرّجاً على
بلاده وهي تفكّك من أمام عينيه.
قدّم
الدكتور محمد يوسف المقريف هذالصباح 28 مايو 2013 إستقالته أمام المؤتمر الوطني
العام متنازلاّ بذلك عن رئاسته لهذا المؤتمر وذلك إستباقاً لعزل متوقّع له نظراً
لشغله منصب وزير في نظام الطاغية القذّافي في أواسط السبعينات، وشغله لمنصب سفير
لنفس النظام في آواخر نفس العقد من الزمان.
قبل
ذلك بإسبوع واحد قدّم العميد الدكتور عاشور شوايل وزير الداخليّة في حكومة السيّد
علي زيدان إستقالته من وزارة الداخليّة، وقد قام العميد شوايل بذلك إستباقاً لقرار
سوف يصدر قريباً يقضي بعزله وإقصائه.
سوف
تشهد الأيّام القادمة الكثير من الإستقالات وسوف تقتصر الإستقالات على الأشخاص
الذين يحترمون أنفسهم ولا يرتضون بالإهانة، أمّا أولئك الذين يعشقون الكراسي ومراكز
السلطة فسوف لن يستقيلوا، بل إنّهم سوف لن يتنازلوا عن السلطة طواعية، وهم من سوف
ينتظر فعسىاه أن يتمكّن من الإفلات من طاحونة العزل الساحقة والتي سوف تطال كل
ليبي و ليبيّة سبق له أن شغل منصباً كبيراً في نظام حكم الطاغية القذّافي بغض
النظر عمّا قام به في تلك الأثناء وبغض النظر عن تاريخه النضالي بعد ذلك، فقانون
العزل السياسي والذي فصّل خصّيصاً للتخلّص من كل العقول الليبيّة الخبيرة في مجال
الإدارة والحكم حتى تترك آماكنهم لكل طامع في السلطة وكان فاقد الأمل تماماً في
وصوله إلى هذه السلطة لعدم وجود الأهليّة ولإفتقاره إلى مواصفات الإداري الناجح
التي من أهمّها التعليم والثقافة والخبرة المكتبيّة والمهنيّة.
قانون
العزل السياسي كما نعرف هو قانون ملطّخ بالكثير من الضبابيّة حكماً بمحتواه
وبالهدف من طرحه للتداول في بادئ الأمر. فكرة القانون هي فكرة إخوانيّة بإمتياز
بدأت في مصر من طرف تنظيم الإخوان المسلمون الذي يحكم مصر الآن بواجهة حزبيّة
تسمّى "العدالة والبناء"، ثم تلقّفه إخوان ليبيا الذين يشاركون في الحكم
بواجهة حزبيّة متطابقة تماماً لتلك التي نشأت في مصر... أي "العدالة
والبناء" وسارع إخوان ليبيا بدعم من التنظيمات الدينيّة المتشدّدة مثل
السلفيون والجماعة الليبيّة المقاتلة وأتباع حزب التحرير الإسلامي الذي غادر
أتباعه ليبيا في أوائل السبعينات بعد أن حاربهم الطاغية القذافي وتبعهم بعد ذلك إلى
خارج البلد، ولم يعد هؤلاء إلى ليبيا إلا بعد 17 فبراير 2011 متسلّقين أشرعة
الثورة الشعبية التي إندلعت ضد نظام الطاغية القذّافي وأنتهت بإنهاء نظام حكمه
وإلى الأبد. تلقّف المتديّنون قانون العزل السياسي المصري بكل إهتمام لأنّهم رأوا
فيه الوسيلة الوحيدة التي تمكنّهم من التخلّص من أكبر أعدائهم وهو الدكتور محمود
جبريل الذي عجزوا عن هزيمته من خلال صناديق الإقتراع والتي تمكّن فيها من الحصول
على 62% من أصوات كل الذين شاركوا في إنتخابات 07-07-2012 والذين بلغ عددهم
1,764,840 ناخباً وناخبة أي أن أكثر من مليون مرشّح ومرشّحة كانوا مع التحالف
الوطني بقيادة الدكتور محمود جبريل، وهذا ما أغضب التنظيمات الدينيّة وأحسسها
بالخوف وربما بالغيرة من التحالف الوطني فأخذوا يصبّون عليه جام غضبهم وسخطهم،
وحين لم يتمكّنوا من إقناع عموم الشعب بالإبتعاد عن التحالف الوطني إلتجأوا إلى
خدعة قانون العزل السياسي الذي إستغلّوا من خلاله كره الليبيّين والليبيّات لأزلام
النظام السابق فدغدغوا عواطف الناس من خلال فكرة إستصدار قانون يسمّى بالعزل
السياسي رأوا فيه طوق النجاة من كراهية الناس لهم.
بعد
الكثير من التأخير والمداولات وعمليّات المداهمات والإعتصامات والهجوم على المؤتمر
الوطني والإعتداء الشخصي المستهدف على رئيس المؤتمر وعضو آخر في المؤتمر إسمه جمعة السايح، ولمّا لم تنجح هذه
المحاولات، أصدرت التنظيمات الدينيّة في المؤتمر الوطني قانوناً لتحصين قانون العزل
السياسي حتى قبل أن يتم طرحه للإقتراع أمام أعضاء المؤتمر الوطني. بعد إستصدار
قانون التحصين المخادع أصبح إستصدار قراراً من المؤتمر الوطني بقانون العزل
السياسي مسألة وقت بالنسبة للتنظيمات الإسلاميّة، غير أنّ أعضاء المؤتمر الوطني
إستمرّوا في الإنقسام والإختلاف فيما بينهم بخصوص قانون العزل السياسي ففطنت
الجماعات الإسلاميّة إلى خدعة خسّيسة تكمن في إستغلال كتائبهم المسلّحة لفرض الأمر الواقع، وتحقّق لهم ما يريدون من
خلال إرسال ما يسمّى بتنسيقيّات العزل السياسي بسلاحهم الثقيل لإحتلال الوزارات
السياديّة في الدولة والتي إبتدأت بالخارجيّة ثم الداخلية ثم العدل ثم الماليّة،
وظل "النكرات" من توابع تنسيقيّات العزل السياسي يمارسون الضغط على
أعضاء المؤتمر حتى وصل بهم الأمر إلى مهاجمة مبنى رئاسة الوزراء نفسه مطالبين بعزل
رئيس الوزراء السيّد علي زيدان.
واصل المشاغبون الضغط على أعضاء المؤتمر الوطني
إلى درجة التهديد بإستخدام السلاح وإحتلال قاعة المؤتمر إذا لم يصوّت أعضاء
المؤتمر لإصدر قانون العزل السياسي، وبلغ الأمر أشدّه يوم الإقتراع على هذا القرار
حيث أحاطوا قاعة المؤتمر الوطني بأسلحتهم الثقيلة جالبين معهم مئات من الجثث والتوابيت
الرمزيّة ليبرهنوا لأعضاء المؤتمر على أنّهم جدّيون في مساعيهم مما دفع أعضاء
المؤتمر للتصويت لصالح قانون العزل السياسي تحت التهديد والإكراه من قبل المسلّحين
من ميليشيات التنظيمات الدينيّة التي رفضت إنضمام ميليشياتها للشرعيّة الوطنيّة من
جيش وشرطة لأنّها كانت تعد العدّة لمثل هذا اليوم، وبكل تأكيد فإنّ الجماعات
الدينيّة سوف تستمر في رفض إنضمام ميليشياتها للشرعيّة الوطنيّة لأنّها تستعد ليوم
آخر سوف يكون فيه النزال حامي الوطيس وهو يوم إعداد نسخة الدستور لإقتراع الشعب
عليه.
أذاً...
من هنا نرى بأن قانون العزل السياسي كان قد ولد من رحم المكر والخداع بإشراف
ميليشيات مسلّحة لا تخضع لسلطة الدولة وربّما لا تعترف بها من حيث المبدأ فكان هذا
الوليد "لقيطاً" بكل معنى الكلمة أي أنّه كان "إبناً غير
شرعي"... وحسبه أنّه كان كذلك.
في
الدراسة الميدانيّة التي أجرتها جامعة بنغازي والتي إستطلعت فيها أراء الليبيّين
والليبيّات بمختلف فئاتهم وطوائفهم وإثنياتهم تبيّن من خلال الدراسة أن 66% من
الذين شاركوا في المسح الميداني كانوا مع قانون العزل السياسي، وبأنّ 55% من كل
المشاركين قالوا بأن ذلك القانون كان قد صدر بقوّة التهديد بإستخدام السلاح وهذا
دليلاً جوهريّاً على أن قانون العزل السياسي كان قانوناً بالفعل غير شرعي ومن ثمّ
فإن كل ما يترتب عليه سوف يكون خارج الشرعيّة القانونيّة.
ضحايا تطبيق قانون العزل السياسي
نحن
نعرف بأن الطاغية معمّر القذّافي كان قد حكم ليبيا لأكثر من 42 سنة قام خلالها
بتغيير تشكيلة الحكومة عشرات المرات وكانت كل حكومة تتشكّل من ليبيّين وليبيّات،
فالطاغية لم يأتي بأجانب لحكم ليبيا، ومن هنا نجد أن ألافاً من أبناء وبنات الشعب
الليبي كانوا قد خدموا مع نظام الطاغية القذّافي والكثير منهم عمل ذلك من أجل تخفيف
الضرر على إخوانه الليبيّين والليبيّات وبهدف أخذ أكبر كميّة من الأموال من بين
فكوك الطاغية لإنفاقها على الجهات التي تقدّم خدمات للمواطنين. كذلك ومنذ عام 1977
حوّل القذّافي ليبيا إلى "جماهيريّة" بها ألاف من المؤتمرات الشعبيّة
وألاف أخرى من اللجان الشعبيّة وكل هذه الهيئات الإعتبارية في الدولة كان يشغلها
ليبيّون وليبيّات والكثير منها تتغيّر في كل سنة..... أضغط هنا
من هنا نرى بأن حوالي 500,000 من الليبيّين
والليبيّات كانوا قد شاركوا الحكم مع الطاغية القذّافي، ولم يكن أولئك الناس من
العشوائيّين، بل إنّهم كانوا من كوادر البلد وخريجيها والمتعلّمين فيها، وكل واحد
منهم كان قد إكتسب خبرة إداريّة لا بأس بها في عهد الطاغية القذّافي حتى أنّنا
ربما نجد أحسن الخريجين والخبراء في مختلف مجالات الحياة كانوا يشاركون بطريقة أو بأخرى
في أجهزة النظام لأنّها جزءاً من الحياة، ولأن كل خريج يريد أن يجد عملاً ينفق من
مردوده على أطفاله وأفراد أسرته. نظام الطاغية القذّافي لم يكن نظاماً عشوائيّاً،
ولم يكن نظاماً يتركّب من الرعاة والفلاّحين، وإنّما كان نظام دولة يتكوّن من خريجي
الجامعات والمهنيّين وأصحاب الأعمال ورجال القانون والإقتصاد وآساتذة الجامعات. كل
أولئك الناس سوف يجدوا أنفسهم معزولين بأثر قانون العزل السياسي بما يعني ذلك
حرمان ليبيا من عقولها ومفكّريها وأصحاب الخبرات فيها.
سوف
نكتشف يوماً ما بأنّنا أبعدنا ما يزيد عن نصف مليون عقل ليبي من المساهمة في بناء
الدولة التي يبلغ عدد سكّانها حوالي 6 ملايين رجل وإمرأة أغلبهم من الصغار الذين
لم يتخرّجوا من الجامعة بعد (حوالي 66% من مجموع السكّان) ومنهم حوالي 17% من
مجموع السكّان ممّن كانوا قد تجاوزوا سن التقاعد، ومنهم أيضاً حوالي 73% من النساء
القادرات على العمل هن خارج السلك الوظيفي لأسباب إجتماعيّة وإستيعابيّة أيضاً. من
هنا نرى بأن الذين سوف تقوم ليبيا بعزلهم من أبنائها يمثّلون حوالي 70% من
القادرين على إدارة شئون الدولة فيها. أي أن أكثر من ثلثي القوّة البشريّة الفاعلة
والمؤهّلة في ليبيا سوف يتم منعها من المساهمة في بناء الدولة التي تحتاج إلى كل
يد تبني وكل عقل يفكّر.
المستفيدون من قانون العزل السياسي
بكل
تأكيد سوف نجد أن أكثر المستفيدين من فرض قانون العزل السياسي هم من أتباع التنظيمات
الدينيّة المختلفة والذين عملوا كل جهدهم لإقناع عموم الناس بأنّهم كانوا هم
المضطهدين في عهد الطاغية القذّافي، وبأن أياديهم كانت نظيفة ولم تتلطّخ بالدم أو
السرقة أو تعذيب الليبيّين وبذلك فهم من سوف لن يشملهم قانون العزل السياسي فيبقوا
طلقاء وبذلك يقومون بملء الفراغ الإداري والتنفيذي والمهني في الدولة بغض النظر عن
إمكانياتهم العلميّة والفكرية والذهنية والتي نعرف بأنّها في مجملها تعتبر متدنيّة
جداً حكماً بالطريقة التي تعلّموا من خلالها وبنوعية الشهائد التي يحملونها
وأغلبها صادرة من جامعات متخلّفة في الخرطوم وأم درمان والطائف وام القرى وبعضها
من أفغانستان وباكستان وهي مؤهّلات دينيّة لا تنفع إلا في الإمامة والخطابة وطرد
الجنون والأشباح.
كذلك
فإن الطبقة الثانية التي سوف تستفيد من قانون العزل السياسي هم من يسمّون بالثوّار
ومن ينتمون إلى تنسيقيات العزل السياسي وهم في العادة من ذوي المؤهلات المتواضعة
ومن العاطلين عن العمل في عهد الطاغية القذّافي والكثير منهم كانوا فاعلين في
لجان القذّافي الثوريّة فإذا بهم يغيّروا جلدتهم بين عشيّة وضحاها ليصبحوا أعضاء
في تنسقيات العزل السياسي والأمثلة كثيرة على ذلك لعل أوضحها المهندس جمال زوبيّة
والمحامي جمال الحاجّي والشيخ سامي مصطفى الساعدي وغيرهم الكثير من هم على
شاكلتهم..... شاهد هذا الفيديو
ما
هو المخرج من هذه الأزمة ؟
المخرج
من هذه الأزمة هو عكس مدخلها تماماً... أي بتعطيل قانون العزل السياسي وإلغائه
بالكامل ليحل محلّه قانون تفعيل القضاء، بحيث تتم محاكمة كل من تحوم حوله الشبهات
من قبل قضاة مشهوداً لهم بالعدل والنزاهة وما تصدره المحاكم في شأنهم يطبّق عليهم.....
فمن تقرر المحاكم عزله يعزل ومن تبرئه المحاكم يعود إلى الحياة الإعتيادية وله
كامل الحريّة في الترشّح والإنتخاب وشغر الوظائف حسب خبرته ومقدرته من خلال قوانين
الدولة ونظمها الدستوريّة التي يقرّها الشعب.
المخرج
من هذه الدوّامة التي تعيشها ليبيا الآن يكمن في محاولات جديّة للإستفادة من كل
عقل ليبي يفكّر، ومن كل يد تبني، ومن كل خبير ليبي يمكن لبلادنا من الإستفادة من
خبرته بغض النظر عن ماضيه السياسي طالما أنّه تمت تبرئته من قبل القضاء إن أعتبر
متهماً في وجود أدلّة وبراهين. ما هو العيب في هذا الطرح أكثر من كونه لا يروق لأولئك
الفاشلين الذين لا يستطيعون البرهنة على قدراتهم في المنافسات الشريفة
والقانونيّة؟.
علينا
أن نستدعي كل أفراد جيشنا، وكل أفراد أجهزة الشرطة لتكوين جهاز حماية للدولة
الليبيّة بالتعاون مع بعضهما، والقيام بتسليم السلاح لهما وإعطائهما الإذن الشعبي
والرسمي للقيام بمهامهما كما هو مطلوب من مؤسّسات الدولة. علينا أن نستدعي كل القضاة
والقناصلة وأعضاء السلك الديبلوماسي وكل الخبرات الليبيّة في داخل البلد وخارجها من أجل المساهمة في بناء ليبيا الجديدة مع إبعاد المشتبه فيهم مؤقتاً بهدف محاكمتهم وفق
القوانين وبأسرع وقت ممكن حتى نتمكّن وفي فترة زمنية قصيرة جداً من تحديد العقول
الليبيّة التي يمكن الإعتماد عليها في بناء الدولة بدون الخوف أو الإشتباه بأن أي
منهم قد يكون من أزلام الطاغية القذّافي أو يعمل على تخريب ليبيا.
هل
نمتلك الوطنية والشجاعة للقيام بمثل هذا العمل الجبّار من أجل بلادنا؟. هل يكون
بإمكاننا التخلّص من عقدة "الأنا" لنذوب جميعاً في بوتقة الوطن فنتحوّل بذلك إلى أسرة واحدة نتحاب ونتأخى ونتعاون، وبذلك فقط نستطيع أن ندفن نظام حكم الطاغية
القذّافي وإلى الأبد؟.
مشاكل ليبيا معقدة لاتعرف لها تحليلا ولا يمكن توقع مسقبلها ولا يمكن حصر مشاكل ليبيا في الاسلاميين فاجميع القبائل والمدن والتيارات و الاحزاب لديها السلاح والميلشيات والمشكلة اعمق من ذلك وزي مايقولوا تحب تفهم ادوخ
ردحذف