بدأت هذه الأيّام تظهر كتابات كثيرة تنتقد الشيخ الصادق الغرياني على أساس أنّه مفتياً للديار الليبيّة، وذلك ردّاً على الكثير من فتاويه وتدخّلاته التي تبدو للمتتبّع على أنّها تخدم أهدافاً معيّنة وتصب في بوتقة محدّدة لتخدم طائفة بعينها وهي الطائفة التي ينتمي إليها الشيخ الصادق الغرياني ويركّز تفكيره عليها، ومن ثمّ فأغلب فتاويه تستقبل في الشارع الليبي على أنّها معدة سلفاً لتخدم تلك المجموعة ولو كان ذلك على حساب مصلحة الوطن. الكثير من الليبيّين والليبيّات يعيبون على الشيخ الصادق الغرياني بإعتباره مفتياً لطائفة وليس مفتياً لكل شرائح المجتمع الليبي، وأعتقد بأنّهم محقّون في ذلك حكماً بفتاوي الشيخ وتصريحاته ومواقفه الملعنة التي بكل تأكيد تخدم الجماعات الإسلاميّة المتشدّدة التي تسيطر على المليشيات المسلّحة التي تثير الفتن وتسبّب المشاكل في عموم ليبيا.
مشكلة المفتي ( وهو سلفي) ترتبط إرتباطاً وثيقاً بعقليّة وتفكير من يسمّون أنفسهم "العلماء" وما هم بعلماء على الإطلاق. هؤلاء هم عبارة عن "نقلة" لما كتب من قبلهم بدون مناقشة أو تمحيص أو محاولة لتأكيد ما ينقلونه، ففي نهجهم لا يمكنك إنتقاد "عالم" دين لأنّه مبجّل وربّما هم يعتقدون بأنّه "معصوم" لا يخطئ. هؤلاء الناس وللأسف نتيجة لثقافة "النقل" لا يمكنهم أبداً تطوير مداركهم أو توسيع فهمهم للحياة لأنّ مصادرهم هي دائماً سابقة (سلفيّة) وبذا فهم ينظرون إلى الوراء ويستدركون بالماضي السحيق. كانت المرأة في الماضي - وفي كل الثقافات ولكن بتفاوت - مهمّشة وتعتبر ناقصة ومن هناك فقد ساد عليها الرجل وفرض هيمنته عليها من باب الإستعلاء والتعالي، ورضيت المسكينة بمصيرها الذي يفرض عليها التبعية للرجل. تلك هي ثقافة المفتي وثقافة رجال الدين عموماً بما فيهم المتشدّدين من اليهود (الأرثودوكس) والمتشدّدين من المسيحيّين وخاصة الكاثوليك فهي غير مسموح لها بأن تكون قسّيسة أو أن تصبح "بابا" للفاتيكان. الزمن تغيّر والثقافة تغيّرت وأهميّة المرأة بدأت تبرز منذ الثورة على الكنيسة في القرن الخامس عشر وحتى بدايات القرن الثامن عشر حيث بدأت الثورات الأوروبيّة والأمريكية التحرّرية والتي كان للمرأة نصيباً فيها. المرأة ما إن تحرّرت من سيطرة الرجل وأخذت على عاتقها زمام أمرها حتى بدأت تبدع وتتفوّق على الرجل في الكثير من المواضع خارج البيت وخارج الأسرة مما أثار حفيظة الرجل مبدأيّاً، لكن الرجل العاقل وجد نفسه أمام واقع معاش عليه أن يتعامل معه وفق أبجديّاته.. بمعنى أن يكون للمرأة حساباً وإعتبارات في برمجة وتسيير الحياة. هذا ما حدث في العالم المتقدّم وبذلك إزدادت نسبة الأيدي العاملة بأكثر من 50% في البلاد المتقدّمة في حين مازال العالم الإسلامي يعاني من بطالة مقنّعة تزيد عن 40% في مكوّناته البشريّة حيث يبلغ عدد النساء في العالم الإسلامي أكثر من 1000 مليون إمرأة أغلبهنّ من العاطلات أو المعطّلات عن المساهمة في بناء الدولة نتيجة لعقليّة وتفكير رجال الدين الذين وللأسف لم يتمكّنوا من الإنتقال إلى الأمام حتى بلغ بهم الأمر إلى الخوف والإرتعاب من النظر إلى الأمام بما يمهّد ذلك من تحرّر ومساواة وعدالة بين الرجل والمرأة التي مازال شيوخ الدين عندنا يرونها ناقصة عقل وناقصة دين، ويروا الرجل قوّاماً عليها في كل شئ. المهمّة كبيرة أمام المرأة في بلادنا وبكل تأكيد لا تستطيع الإضطلاع بها لوحدها، وبذا فإنّه يتوجّب على الشباب العاقلين والمتعلّمين أن يمدّوا يد العون لأختهم المرأة فهي إنسانة مثلهم وهي بكل تأكيد لها طموحاتها ولها عالمها الذي يجب أن تحسّ بالحريّة للعيش فيه. المرأة إنسان لها مشاعر ولها آحاسيس فكيف يسمح الرجل لنفسه بأن يقتل هذه المشاعر بداخلها وذلك بأن يتيح لنفسه بالزواج عليها ممن شاء ومتى شاء وكيفما شاء، ولا يعجز الرجل إن أراد أن يعيش لنفسه وينتصر لغرائزه في أن يسترق الدليل من القرآن الكريم فيفسّره كيفما شاء ووفق ما أراد وإن إعترضت هي عليه في ذلك فإنّه يوصمها بالنشاز والعصيان وقد ينعتها بالكافرة (حاشاكم) ولنا الكثير من الأمثلة في عالمنا العربي والإسلامي بدءاً بالسيّدة نوال السعداوي ومروراً بالكاتبة وفاء البوعيسي والحبل على الجرّار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك