من أراد منكم أن يشهر أمرا ما فليمنعه، ومن أراد أن يطمس شيئا آخر فعليه بالإكثار من الحديث عنه
فكرة هذا المقال وردت من أحد الأصدقاء وكنت أنا أفكّر في الكتابة عن هذا الموضوع فكانت فكرة صديقي العزيز دافعا قويّا للكتابة.... إن أعجبكم هذا المقال فالشكر يرجع له، وإن لم يعجبكم فعليكم أن تلوموني أنا لوحدي !.
منذ الإعلان عن وفاة الطاغية القذافي والعثور على جثّته حتى بدأ الناس في ليبيا يتباحثون في موضوع مصيره (الخطوة التالية).
كان أوّل فعل قام به الثوّار هو نقله إلى مدينة مصراته على أساس أن ثوّار مصراته كانوا هم من عثر عليه، وربما كان أحدهم من نفّذ أمر الموت فيه.... موتة يستحقّها هذا الطاغية من وجهة نظري قبل أية محاكمة، وقبل أي حديث عن حقوق الإنسان؛ ذلك لأنّه سعى إليها برجليه، ويديه، وعقله، وتفكيره، وتصرفاته.
من وجهة نظري إن قتل الطاغية القذّافي بأية وسيلة كانت، وبأي أيدي فاعلة، وتحت أي مبررات تعتبر رحمة بالليبيين على وجه الخصوص؛ ذلك لأن بقاء هذا الطاغية على قيد الحياة يضر بالليبيين قبل أن ينفعهم ولو أنّهم رغبوا في أن يحسّسوه بعقدة الذنب، أو أنّهم فكّروا في تعذيبه نفسانيّاً تخفيفاّ للغليل الذي يعتمر في نفوسهم.
من وجهة نظري إن قتل الطاغية القذّافي بأية وسيلة كانت، وبأي أيدي فاعلة، وتحت أي مبررات تعتبر رحمة بالليبيين على وجه الخصوص؛ ذلك لأن بقاء هذا الطاغية على قيد الحياة يضر بالليبيين قبل أن ينفعهم ولو أنّهم رغبوا في أن يحسّسوه بعقدة الذنب، أو أنّهم فكّروا في تعذيبه نفسانيّاً تخفيفاّ للغليل الذي يعتمر في نفوسهم.
إن عرض جثّة الطاغية القذافي للناس في مصراته للتأكّد من قتله من ناحية، وللتخفيف على أمّهات الضحايا الذين قتلهم القذّافي من ناحية أخرى كنوع من العلاج النفساني الذي يستخدم حتى في الدول المتقدّمة للتخفيف من حدّة الحزن بداخلهم يعتبر من وجهة نظري إجراء سليماً جدّاً وربما كان قد حقق الغرض المرجوء منه، ولا أظنّ بأن أحدا في أي مكان في العالم بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان قد يعترض على مثل هذا التصرّف.
بعد إتمام إجراءات التعرّف وأخذ العينات اللازمة التي تحدد الحامض النووي يجب أن يتم التعامل مع جسد معمر القذّافي بما يجب إنسانيّا وحضاريّاً؛ حيث أنّه تحوّل إلى جثة هامدة لاحياة فيها، وأصبح بكل تأكيد لا يشكّل أية خطورة على أحد.
بالنسبة لموضوع تكفيره من عدمه أنا شخصيّاً لست مع تكفير الناس مهما عملوا في الدنيا ذلك لأن من يقرر في مثل هذه الأمور هو الله الذي يعلم ما تضمره القلوب. القذّافي لم يعلن كفره أمام الناس، ولم يتنكّر لوجود الله حسب علمي.
قد لايختلف إثنان على أن الطاغية القذّافي كان في حياته مجرماً، وكان قد مارس الكثير من الأشياء التي نهى الله عنها بما في ذلك الأمر بقتل من يذهب ليصلّي في المساجد، والأمر بشنق الناس في الميادين لمجرد أنهم إختلفوا معه في الرأي، وكان يستحوذ على أموال الليبيين (الرعيّة) بدون وجه حق ليقوم بإنفاقها في غير طريق الله. ممارسات الطاغية القذّافي أثناء حياته ربما يصعب حصرها لكثرتها، والدليل على إجرامه متوفّر في كل مكان، وبأكثر من صفة؛ ولكن هل تكفي كل هذه المارسات لتكفيره إن كان هو في قرارة نفسه مازال يؤمن بالله؟. سؤال يبحث عن إجابة بدون شك.
الشيخ الصادق الغرياني - مفتي ليبيا – قال في شأن القذّافي:
"أنه لا يجوز شرعًا إقامة الصلاة على القذافي في مساجد المسلمين، أو إقامة صلاة الجنازة من قبل عامة المسلمين وشيوخ المسلمين والعلماء والأئمة عليه، وذلك لكفره صراحةً، وإنكاره للسنة النبوية الشريفة وأفعاله وأقواله في سنين حكمه تدل على خروجه من الملة".
وقال الشيخ الغرياني في فتوى شرعية صدرت عنه بعيد قتل القذّافي، وبثتها وسائل الإعلام الليبية: "عدم الصلاة عليه يأتي لسبب شرعي وهو لكي يكون عبرة لغيره من الحكام".
وأضاف: "يجوز دفنه في مدافن المسلمين، ويجوز أن يغسل ويصلى عليه من قبل أهله وذويه فقط".
وأردف المفتي: "يجب دفن القذافي في مقبرة مجهولة تجنبًا لإحداث فتنة بين الليبيين، وحتى لا يتحول قبره إلى مزار".
أنا إختلف تماماّ مع موضوع دفن القذّافي في مقبرة مجهولة، ولا أستطيع أن أتصوّر كيف يحدث دفن القذافي في مقبرة معلومة فتنة بين الليبيين. القذّافي مات وإنتهى، ولم يعد ذلك البعبع الذي يخيف العالم من حوله. أما أن يتحوّل قبره إلى مزار فتلك تعد من وجهة نظري قمة في المبالغة، وتعبّر بكل جلاء عن خوف من يقول ذلك من القذّافي حتى بعد موته.
هل تحوّل قبر أدولف هتلر إلى مزار، وهل تحوّل قبر موسوليني إلى مزار، وهل تحوّل قبر تشاوشيسكو وزوجته إلينا إلى مزار، وهل تحوّل قبر صدّام حسين إلى مزار؟. لماذا لا نقرأ التاريخ، ونبحث عن الوقائع قبل أن نقدم على إصدار الفتاوي؟.
أليس ما كان يفعله القذّافي نفسه بقتلاه من الليبيين أن يمنع تسليمهم لأهلهم، أو الصلاة عليهم، أو تغسيلهم وفق الشريعة الإسلامية؟. أليس هو القذافي من رمى بجثث الليبيين من ضحاياه في عرض البحر، أو دفنهم في مقابر جماعية مجهولة؟. هل تدعوننا لتكرار جرائم الطاغية القذافي؟.
أنا أرى بأن يتم تسليم جثة القذافي إلى قبيلته أو أقربائه ولهم بعد ذلك أن يصلّوا عليه، أو يقرأوا عليه القرآن، أو يوزّعوا الذبائح فذلك لم يعد يهمّنا. على من يحتفظ بجثة القذافي أن يسلّمها لأقربائه أو لقبيلته للقيام بدفنه أين شاءوا، وبالطريقة التي يريدون وأنا أؤكّد للجميع بأن هذا الطاغية سوف لن يصبح مزاراً لأحد.
هناك آية في القرآن قد يسترشد بها أقربائه وأفراد قبيلته ممن قد يفكّروا في الصلاة عليه ودفنه تقول: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } ولهم أن يفعلوا ما يروه سليماً؛ لكننا يجب ألاّ نحجب عنهم جثّة القذافي أو أن نفرض عليهم ما يفعلونه بها.
إن الطاغية القذّافي سوف يصبح مشهورا إذا قمنا بدفنه في مكان مجهول، وسوف تتشكّل له جمعيات للبحث عن قبره وإذا عثروا عليه ( وسوف يعثروا عليه يوما ما) عندها ربما يتحوّل القذافي إلى بطل وشهيد بالفعل. إن الوسيلة الوحيدة لإشهار أي شئ هي أن تقوم بمنعه، أو أن تتستر عليه، أو أن تخفيه وحينها سوف يبحث الناس عنه ولو من باب الفضول.
الطغاة، والمتجبرون، والأوغاد هم من يمنع الشئ خوفاً من تأثيره على الناس.... الإعلام قد يعتبر خير مثال على ذلك؛ لكننا في النهاية نجد الممنوع متوفّر بين الناس، ونجدهم يقرأونه بكل نهم.
عندما كنت طالبا في الجامعة كتبت قصة رمزية عنوانها "ليلي ومعروف" والتي تعني ليبيا ومعمّر، وكانت هذه القصة ناقدة للوضع الراهن في ليبيا حينها وتم توزيعها في الجامعة ضمن صحيفة يوميّة شاملة فقام رجال المخابرات (الأمن) بسحبها من جميع أماكن التوزيع في داخل الجامعة، ومنعوا الطلاب من الحصول عليها. العدد الذي صدرت فيه تلك القصة حصل على أكبر رقم في التوزيع اليومي، وأذكر أنني حتى منتصف ليلة اليوم الذي منعت فيه كنت أستقبل الطلاّب وهم يبحثون عن "نسخة من القصة الممنوعة"!!. ككاتب بالطبع أعجبتني تلك الدعاية التي كلّفتني لاشئ أكثر من بعض المساءلات من قبل بعض من كبار اللجان الثورية (الأمن) إنتهت بتحذير ولكن بدون أذى !.
علينا أن نفكّر بعقولنا، وأن نغيّر من أساليبنا التي وللأسف تكرر أساليب الطاغية القذّافي في كل شئ. أليس هو نفس الطاغية الذي ثرنا على نظام حكمه، فإذا بنا نطبّق أساليب حكمه عليه.... هل نجيز لأنفسنا تكرار نفس الممارسات التي رأيناها خطأ؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك