وأخيرا.... تحرّرت معظم المدن والقرى في ليبيا الحبيبة بعد 8 أشهر قاسية عانى خلالها شعبنا الليبي من ويلات الحرب، والدمار والإقتتال. بالطبع لم يكن الشعب الليبي هو من إختار هذا الإتجاه؛ ولم يكن هو من أعلن الحرب على القذّافي؛ لكنّ أبناء وبنات الشعب الليبي وجدوا أنفسهم في خنادق لم يقوموا هم بحفرها، وإنّما وضعوا بداخلها رغماّ عنهم فلم يتبقى لهم من خيار سوى أن يقاتلوا من أجل حرّيتهم، وأن ينتصروا في سبيل ذلك.
بالطبع... الوقائع على الأرض مازالت تقول بأن المعركة - معركة الحريّة - لم تنته بعد بالنسبة لليبيين؛ وعلينا أن نكون واقعيين، وصرحاء مع أنفسنا.
الطاغية القذافي، ومن هم ما زالوا يناصرونه سوف لن ينتهوا حتى وإن كنّا رغبنا في ذلك؛ فهؤلاء الناس لهم طريقتهم في التفكير، وإسلوبهم في التصرّف وهم في العموم ينتمون إلى نفس المدرسة التي شكّلت شخصيّة الطاغية القذافي، وقولبت تصرّفاته الهوجاء من فوضى، أوهام، بطولات خيالية، وغياب كامل للمنطق والواقعيّة؛ لكنهم شبّوا على ذلك، وشابوا عليه فلا يحق لنا أن نلومهم إلا إذا أقدم أحدنا على لوم طفل صغير يجده يحاول إشعال النار في بيت العائلة.
الأيّام القادمة سوف تكون حبلى بالمفاجآت، وما يخفيه لنا القدر قد يكون ربما أكبر من إستعداداتنا، وربما أكبر من تكهّناتنا؛ ومن ثمّ فعلينا أن نبقى على يقظة، وأن نحافظ على وحدتنا وتلاحمنا إن كنّا بالفعل جادّين ، ومخلصين في مشروع بناء الدولة الليبية الجديدة.
هذه المشاهد يجب أن تنتهي
كلّنا يعرف أنّه بعد تحرير طرابلس بقى الكثير من المسلّحين بداخلها؛ يتجوّلون بسلاحهم في شوارعها، ويقوم الكثير منهم بتصرفات صبيانيّة تدل على عدم النضوج، وعلى الإستهتار بالنظام والقانون رغم كل النداءات، ورغم كل التوسّلات، ورغم كل المحاذير. لماذا يصرّ هؤلاء "الفوضويّون" على فرض الرعب والفوضى على الآخرين؟.
كما سبق لي وأن قلت.. إذا وجدت طفلك بالبيت يحاول إشعال النار بداخله فلا تلومنّ طفلك؛ وإنّما عليك بلوم نفسك إن كنت بالفعل تحرص على سلامة بيتك. علينا أيّها الإخوة أن نلوم أنفسنا على هذه الفوضى بدءا بالمجلس الإنتقالي، ومرورا بالمجلس التنفيذي، وعروجا على المجالس المحليّة بما في ذلك المجالس العسكريّة التي أصبحت تنتشر في كل مكان بدون فعاليّة، وبدون جدوى... أو ربّما يمكننا القول... بدون مهام أو ضوابط اللهمّ إلا إستعراضات وفرض لنزوات شخصيّة مليئة وللأسف بمرض "الأنا" مع حب الظهور، وحب التملّك، والتلذّذ بنشوة السيطرة على الآخرين ولو كان ذلك بإسلوب طفولي سطحي ساذج يعكس ضحالة التفكير، وضيق الأفق.
علينا أيضا أن نلوم أنفسنا كمواطنين لأن كل من أولئك المراهقين الذين يلعبون بالنار ولا يمتلكون القدرة على إدراك المخاطر ما هم إلا أبناءنا، وما هم إلا ابناء شوراعنا وأزقتنا؛ فأين نحن من حثّهم على التوقّف عن ممارسة هذه الأعمال الفوضويّة التي لاتليق ببلد يبحث عن ذاته من جديد. علينا أن نحذّرهم، ثم ننذرهم، ثم نهدّدهم، وإن لم يتوقّفوا نقوم بتوقيفهم بالقوّة؛ بل وحبسهم لفترة لاتقل عن إسبوع يعاملون خلاله بكل خشونة وقسوة حتى يعلموا بأنّهم إنما يعيشون في بلد تحكمه النظم واللوائح والقوانين لمن لم ترتدعه الأعراف والأخلاق.
يجب نزع هذا السلاح من أيدي العابثين بالقوة، ويجب شطب أسماءهم من قوائم الثوّار بما يعني ذلك من حرمانهم من المرتبات السخيّة التي يكافئ بها المجلس الإنتقالي ثوّار ليبيا تقديرا لبطولاتهم وإستعدادهم للتضحية في سبيل ليبيا.
على المجلس العسكري في كل مدينة بالتعاون والتنسيق الكامل مع مجلس المدينة المحلّي القيام بتشكيل مفارز عسكرية من الموثوق في كفاءتهم، ووطنيّتهم، وإخلاصهم للبلد مع تشكيل وحدات محترفة من الشرطة لملاحقة كل المخالفين للآوامر وإصدار إنذارات قويّة إليهم بالتوقف الفوري، ومن يعصي أمر الشرطة تتم إحالته للمفارز العسكريّة التي تتعامل معه ميدانيّا بما يجب دون الحاجة إلى محاكم أو روتين إداري إلى أن تتنظّف بلادنا من هؤلاء المشاغبين.
وهذه المشاهد يجب القضاء عليها مهما كان الثمن
شهدت الكثير من المناطق والمدن الليبيّة تحركات لبقايا نظام الطاغية القذّافي بذلك الشكل الذي أصبح يهدّد حياة وإستقرار الليبيين وخاصة في الجميل، ورقدالين، وفي حي أبوسليم في طرابلس؛ وعلى المجالس العسكريّة في هذه المناطق أن تقوم بواجبها بدل إستعراض منتسبيها لأنفسهم ولسلاحهم في الشوارع والميادين وإطلاق الرصاص في الهواء. هذه خروقات أمنيّة خطيرة تقوم بها مجموعات مسلّحة منشقّة عن الدولة ويجب التعامل معها وفق هذا المنظور. نحن هنا نتعامل مع أمن وسلامة بلد بكامله، ونظام حكم الطاغية القذّافي أصبح الآن وفق المنظور الدولي - وليس الليبي فقط - في حكم النظام الغير شرعي... أي أنّه يعتبر تنظيم خارج عن القانون مثله في ذلك مثل الجيش الجمهوري الإيرلندي المحظور في بريطانيا، ومنظمة الباسك في أسبانيا؛ وكما تتعامل تلك الدول مع هذه الميليشيات المسلّحة المحظورة علينا نحن أن نتعامل مع كل أتباع القذافي وأنصاره أينما كانوا، وكيفما تصرّفوا بدون رحمة ولا هواده... وفي هذا علينا ألاّ نحفل كثيرا بما تقوله منظّمات حقوق الإنسان أو غيرها فأمريكا، وبريطانيا، وحتى فرنسا حين يتعرّض أمنها للخطر تفعل كل شئ من أجل أمن مواطنيها بدون الإهتمام بما تقوله تلك المنظّمات الإنسانية مع إحترامنا لها، وتقديرنا لجهودها؛ لكننا في الوقت الراهن نمر بمرحلة إستثنائيّة لابد من الحسم فيها وعليهم أن يفهموها كذلك.
على المجلس الإنتقالي أن يكون حاسما في مثل هذه الأمور إذ تبيّن للكثير منّا بأن المجلس الإنتقالي يفتقد إلى موضوع الجديّة في الحسم، والتراخي في التنفيذ. كما أنّه يتوجّب على سكان تلك المناطق - وكل المناطق بدون إسثناء - التي تشهد خروقات أمنية التعاون الجدّي مع المجلس العسكري والمجلس المحلّي في التابع لهم. يجب على كل مواطن أن يعتبر نفسه مسئولاّ عن أمن وسلامة منطقته، وأن يقوم كل مواطن بالتبليغ عن أسماء وآماكن تواجد هؤلاء المشاغبين الذين يعبثون بأمن بلادنا..... هذه تعتبر مسئوليّة عينية تقع بالكامل على عاتق كل مواطن.
إن أولئك المشاغبين، ومثيروا الفتن لايأتون من السماء، ولا يفرّون إليها بعد أن يقوموا بعمليّات التخريب أو الهجوم على الناس الآمنين. المشاغبون يحتمون في آماكن سكنية، ويستعملون عربات نقل، ويتزوّدون بالوقود والغذاء... كيف يتحصّلون على كل ذلك، أين يتحرّكون، وأين يقيمون؟. هل يسكت عليهم بعض الليبيين، وهل ربما يوجد من بيننا من يقف معهم في الخفاء؟. علينا أن نكون صارمين جدا في مثل هذه الأمور وإلاّ فإنّنا قد نخسر هذ الصراع إن نحن تراخينا، أو تواكلنا، أو تقاعسنا.
يجب أن يكون المجلس الإنتقالي على بيّنة ويقين بأننا نعيش الآن في مرحلة حرب مع عدو شرس؛ ومن ثمّ فإن المجاملة والبرهنة للآخرين على أننا "متحضّرون" لسنا في حاجة إليها إلى أن يتم تحرير بلادنا بالكامل، وإلى أن تتكوّن أجهزتنا العسكرية والأمنية بذلك القدر الذي يمكّننا من السيطرة على أمن الشارع وسلامة الحيّ في جميع أرجاء بلادنا... عندها قد نعطي النواحي الإنسانية قدرها؛ أمّا الآن فيجب أن نقولها واضحة وصريحة إننا في حالة "نكون أو لا نكون" وعلينا أن نتصرّف وفق ذلك المنظور بدون الحاجة إلى إرضاء الآخرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك