برهنت وقائع ثورة 17 فبراير المجيدة على أنّ ليبيا تمتلك خامات إنسانية هائلة وفي كل مجالات الحياة.
كنا في نهاية السنة الماضية ( إبان ثورة الشعب التونسي، وخلال فترة الثورة المصريّة) نتحدث عن الواقع المرير في ليبيا، وعن إحتمالات فشل أي تحرك شعبي مشابه في ليبيا؛ والأسباب المتوفرة لدينا وقتئذ كانت كبيرة، وكثيرة.
مع إيماننا العميق بأن الشعوب إن هي ثارت على واقعها فإنها سوف تنتصر مهما كانت قوةالخصم الذي يواجهها؛ لكن الواقع المزري في بلادنا كان دائما يخيفنا، ويزيد من عوامل التشاؤم لدينا.
كانت هناك الأوضاع السياسية الصعبة في ليبيا بسبب إنفراد الطاغية القذافي بالسلطة، وتعطشه المريب إليها. كانت هناك الخلافات في داخل تنظيمات المعارضة في الخارج، وغياب الإتصال بالداخل. كانت هناك الدول الكبرى التي تدعم نظام حكم الطاغية القذافي، وكلنا يعرف الأسباب. كانت هناك وسائل الإعلام المجيرة لخدمة نظام حكم الطاغية القذافي والتطبيل له بما في ذلك محطة الجزيرة الفضائيه؛ فما بالك بوسائل إعلامه القوية. كان هناك أيضا غياب الشخصيات الليبية الفاعلة في الداخل. كان هناك غياب الجيش في ليبيا بالكامل، وسيادة كتائب القذافي على الساحة. كان هناك المستجلبين من أفريقيا كمرتزقة، وكان هناك المال المتوفر لدى الطاغية القذافي، وكان هناك الحقد الدفين للطاغية القذافي على كل الليبيين، وعلى ليبيا كبلد أيضا.
كل تلك المعطيات وغيرها كثير كانت تقلقنا، وتثير مضاجعنا؛ لكننا كنا نؤمن بقدرة الله سبحانه وتعالى، ونعرف ثوابت التاريخ ومعطياته، وكنا أيضا نثق في قدرة الليبيين على التغيير إن هم عزموا على ذلك.
وكانت المفاجأة الكبرى لنظام الطاغية القذافي رغم كل إستعداداته، فحدثت إنتفاضة 17 فبراير قبل آوانها المعلن بيومين مما أربك أجهزة النظام أكثر بشكل شل حركته وأعجزه عن الرد في الأيام الأربعة الأولى من الإنتفاضة المباركة.
وحدث ما حدث، وكانت المفاجآت الكبرى، وبرهن أبناء وبنات ليبيا في داخل البلاد وخارجها على مقدرتهم على التعاضد، والتعاون، والتكاتف، والإصرار على تغيير هذا النظام المتعفن؛ وحصل ما سعى إليه أبناء هذا البلد الطيب.
إنتصرت ثورة الشعب الليبي على الطغيان فهل ينتصر الناس على نفوسهم؟.
هذا هو السؤال المحير، وهذا هو التحدي الكبير الذي يواجهه الليبيون الآن.
يتوحد أبناء ليبيا الآن حول هدف واحد وهو القضاء على بقايا نظام حكم القذافي؛ ولكن بمجرد إنتهاء هذه العملية والتي سوف تتحقق في غضون الأيام القليلة القادمة بإذن الله؛ فإنني أتوقع أن يبدأ الكثير من الليبيين في البحث عن أمجاد شخصية، وسوف يبدأ الليبيون أيضا في فرض أرائهم وأفكارهم على الغير، وسوف نجد الكثير من أولئك المتسلقين الذين ينتظرون الآن إنجلاء غبار المعركة ليدخلوا الميدان بسلاح مختلف تماما. سلاح التفتين، والتآمر، والتسلط، والتشرذم، وسلاح فرض الأمر الواقع بقوة العنف الذي قد لايعرف حدودا.
من وجهة نظري.... إن الوسيلة الوحيدة لتفادي مثل هذا السيناريو هي بتكاتف أبناء ليبيا وبناتها المتعلمين، والمخلصين لليبيانا الحبيبة ضد أي تطرف، وضد أية دعوة للفتنة، وضد أية بادرة تهدف إلى النيل من أمن وتلاحم البلد. كذلك فإنه يتوجب على المجلس الإنتقالي - الذي بدون شك يحظى بإجتماع كل الليبيين حوله - أن يكون على دراية بمثل تلك الإحتمالات، وأن يكون مهيأ لذلك بإحداث بدائل وطنية يجمع عليها الليبيون وبكل ديناميكية حتى لايجد الخبثاء ثغورا ينفذون من خلالها.
توفيرالخدمات للناس، تنظيم شئون الحياة اليومية، إيجاد فرص عمل للعاطلين وخاصة من الشباب، القيام بعمليات توعية شاملة وذلك بالعمل على تحسين مستوى اداء وسائل الإعلام. وكذلك.. الإستفادة من أولئك الذين بإمكانهم التأثير في الناس إيجابا كالسيد محمود الورفلي مقدم البرنامج الناجح "بالليبي".
إتمام إجراءات التحويل من الثورة إلى الدولة بكل نقاء وشفافية وعلى وجه السرعة هو بدوره من سوف يوحّد تفكير الليبيين، ويشغل بالهم، وربما أيضا يبعدهم عن أولئك الذين سوف يستغلون أي فراغ أو فسادأو تراخي في الإجراءات لأية مسببات ولو كانت لظروف عملية محظة.
إن الذين سوف يقفزون إلى الحلبة هم بدون شك أتباع التنظيمات "الإسلامية" المتشددة من أمثال "الجماعة الليبية المقاتلة، وتنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا، وغيرهم من هم على شاكلتهم"؛ وهؤلاء حتما سوف يركبون الموجه، وسوف يستغلون الظروف الصعبه، وبدون شك سوف يبحثون عن كل نقيصة في أداء المجلس الإنتقالي، أو هيئاته التنفيذية ليستغلوها من أجل فرض أجندتهم على بقية الليبيين. هناك أعداد أخرى من المتسلقين علينا أن نحذرهم أيضا.
علينا أيها الأحبة يا من تحبون ليبيا أن نتكاتف معا من أجل بلدنا، ومن أجل مستقبل أبنائنا وذلك بكشف كل المتسلقين، وبإحترام
مؤسسات الدولة ولو كانت أقل من المستوى الذي نحلم به لأن التغيير إلى الأحسن يحتاج إلى وقت، ويحتاج بكل تأكيد وقوفنا معهم، ومساعدتنا لهم، ومشاركتنا ككل في بناء ليبيا الجديدة التي سوف نتمكن من تحقيقها كما نرغب ( حرية، عدل، إخاء، كرامة، وقانون يحكم بين الجميع ويحتكم إليه الجميع بدون إستثناء) بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك