عندما يتعرّض الشخص لصعوبات جسيمة غير متوقّعة فإنّه يمرّ بهذه المراحل: الصدمة، الإنكار، المساومة، ثم القبول.
الذّين إستمعوا منكم هذا الصباح إلى كلام الطاغية القذّافي ربما لاحظوا أمرين مهمّين:
الأوّل: تحريض الطاغية القذّافي على الفتنة، وعلى الإقتتال المستمر بين الليبيّين.
الثاني: عدم ذكره لثورته، وتجاهله الكامل لفاتح سبتمبره.
هذين الأمرين يهمّاننا كليبيين بشكل كبير جدا رغم أننا ربما نجمع الآن كشعب على أن الطاغية القذّافي، وعلى أن نظام حكمه كانا قد إنتهيا بكلّ الحسابات بما في ذلك الحسابات المتردّدة، والحسابات الحذرة؛ فما بالك بحسابات مناصريه أو من تبقّى من الغافلين أو المغفّلين من أبناء شعبنا الذين نظن بأنّهم يعدّون على الأصابع.
الطاغية القذّافي يعوّل على الفوضى في ليبيا، وسوف يعمل بكل ما في وسعه على إشعال نار الفتنة في بلادنا. القذّافي يعرف يقينا بأن الشعب الليبي يكرهه، ويحقد عليه، والقذّافي يعرف أيضاً بأن حكمه لليبيا طيلة العقود الأربع الماضية كان يفرض نفسه على الليبيين؛ ومن ثمّ فإنّه أعدّ العدّة للقضاء على ثورة مشابهة لتلك التي حدثت في تونس، وتلك التي حدثت في مصر.
القذّافي قالها صراحة بأنّه يختلف عن زين العابدين في تونس، وعن حسني مبارك في مصر لأنّه أعدّ العدّة منذ البداية لإستخدام السلاح والقتل دون التفكير في اللجوء إلى الغازات المسيّلة للدموع، أو الرصاص المطّاطي؛ بل إنّه أمعن في ذلك بشكل غريب ومريب.
القذّافي هو مو حوّل ثورة الشباب السلميّة في ليبيا إلى ثورة مسلّحة لأنّ السلاح في رأيه وتفكيره هو وحده من سوف يحسم المعركة لصالحه حيث كان يظنّ بأنّه هو من يملك هذا السلاح، وعلى أنّ ترسانة السلاح التي كان يخزّنها بكافية لهزيمة شعبه.
القذّافي أيضا كان يعوّل كثيرا على التدخّل الأجنبى في ليبيا لأنّه كان يظنّ بأنّ الشعب الليبي إذا خيّر بين "المستعمر" وبينه فإن الشعب الليبي بطيبته ووطنيّته سوف يختار الدفاع عن نظام حكمه؛ لكن هذه الفرضيّة أيضا برهنت الأيّام على عدم صحّتها.
الطاغية القذّافي هو إنسان مخرّب بكل المقاييس، ومفتّن بكل المعاني، وهو إنسان يؤمن عميقا بأن "الغاية تبرّر الوسيلة"؛ وغاية القذّافي الوحيدة هي البقاء في الحكم، ثمّ توريث الحكم من بعده لأولاده ولو حكم على جثث كل الليبيّين... إذ يكفي القذّافي مجموعة من الأفارقة يجلبهم من أدغال أفريقيا ليحكمهم وينتشئ بذلك.
الآن..... وقد فشلت كل محاولات القذّافي للبقاء في الحكم، والآن وقد تركه حتى أقرب المقرّبين إليه. الآن..... وهو ربّما يختبئ في إحدى الحفر في مكان ما من أرض ليبيا الواسعه فإن جنون السلطة لم يمت في عقله فبعد تجاوزه لمرحلة "الصدمة" نجده الآن يمرّ بمرحلة "الإنكار" وقد تطول هذه المرحلة بالنسبة له نتيجة لترسّخ فكرة "القائد" في عقله بشكل كبير طيلة العقود الأربع الماضية بحيث أنّها أصبحت جزءاً من تركيبته النفسيّة وربما العقليّة أيضا حيث من المرجّح بأنّه دخل في مرحلة "تجسيد صورة الخيال" أو ما يعرف في علم النفس السريري ب "سوماتايزاشن".
القذّافي يعرف الآن بأنّه لامحالة سوف يتجاوز مرحلة "المساومة" بدون التوقّف عندها ذلك لأنّه لم يعد يبقى لديه ما يمكنه المساومة به. أيضا... حين يصل القذّافي أخيرا إلى مرحلة "القبول" فإنّ ذلك بدوره سوف يكون متأخّرا جداً، وربما يتم الإمساك به أو قتله قبل بلوغ تلك المرحلة.
إذا... القذّافي مازال الآن في مرحلة "الإنكار" التي قد تشبع الكثير من غروره؛ فربّما يحاول مستميتاً إطالة زمنها بأية وسيلة متاحة لديه.... بمعنى إنّه سوف يفعل كل شئ وأيّ شئ من أجل البقاء في هذه المرحلة حكما بطبيعته النفسيّة المريضة.
ماذا عساه أن يفعل؟
هذا هو ربّ القصيد كما يقولون.
القذّافي بدأ الآن يفكّر بعقليّة أنّه فقد كل شئ، وبأنّه لم يبقى له الكثير كي يفقده؛ وبذلك فلم يعد يحفل بردود الأفعال الداخليّة أو الخارجيّة وبهذا سوف نراه يتحالف مع شياطين الإنس في أي مكان في العالم وربما كان قد بدأ ذلك في سوريّا، وقد يتجّه إلى أمريكا اللاتينيّة، أو ربما قد يستعين بالتنظيمات المتطرّفة من قاعدة، وباسك، ومافيا، والعدل والمساوة في دارفور، وربما البوليزاريو في غرب الصحراء المغربيّة.
سوف يستخدم القذّافي ما يتوفّر له من أموال طائلة موزّعة في آماكن كثيرة من العالم، وسوف يعمد إلى إنتهاج حرب العصابات بما يشمل ذلك من سيّارات مفخّخة، وطرود بريديّة ملغّمة، ومحاولات إغتيال ممنهجة، وربما محاولات تسميم جماعي، وحرب جرثوميّة، وغيرها من آساليب العصابات المفلسة التي لم يتبقّى لها ما تفقده، أو تتحسّس منه؛ فكما أنّه يجب علينا الآ نهوّل كثيرا من قدرات القذّافي، فإنّه يجب علينا أيضاً ألاّ نتغافل، أو نتواكل، أو نتكاسل.
ماذا علينا أن نفعل؟
سؤال سهل لكنّ الإجابة عليه قد تكون صعبة.
هناك الكثير مما يستطيع الليبيّون ك"شعب" فعله بما يعني ذلك عدم إنتظار المبادأة من المجلس الإنتقالي، أو المجلس التنفيذي. الشعب الليبي عليه أن يرتفع إلى مستوى الوعي بحيث يتحمّل مسئوليّة حماية أمنه بوحده وذلك بأن يصبح كل فرد من أبناء الشعب الليبي بمثابة عين ساهرة تترقّب، وتتفحّص، وتشك في كل شئ، وتسجّل بالصورة كل ما تراه "مشبوهاّ فيه" بحيث تنقل الصورة بكل مصداقيّة وجدّية لمن بيده أن يفعل... وبكل شدّة وصرامة.
الشعب الليبي يجب أن يتحوّل إلى حرّاس وشرطة لشوارع، وأزقّة، ومنازل ليبيا في كلّ مكان. علينا أن نعتمد فكرة "الجار المراقب" أو ما يعرف ب Neighbourhood watch فهذه الفكرة قد تفيدنا الآن ومستقبلا لو أمنّا بها، وعرفنا كيف نطبّقها بشرط أن تكون منظّمة ومسئولة. حين يتحوّل كل أفراد الشعب الليبي إلى عيون مراقبة، وعيون ساهرة من أجل سلامة الجميع عندها فقط نتمكّن من الإنتصار على هذا الشيطان اللعين. ومهما حاولنا التسلّح باليقظة والمسئوليّة الدّاتيّة فإنّ المسك بهذا الشيطان يجب أن يكون من أوّل أولويّاتنا رغم أن ذلك وحده سوف لن ينهي شرور القذّافي؛ ولنا مثالا في ما حدث في العراق بعد المسك ب وإعدام الطاغية صدّام حسين.
إذاّ... يمكننا تلخيص ما سبق عرضه في جملة واحدة مفادها أنّنا الآن دخلنا مرحلة "الجهاد الأكبر" أو ما سبق وأن قاله ملك ليبيا السابق "المحافظة على الإستقلال أصعب من نيله"..... فقد نتمكّن بكل سهولة من تحرير سرت، وبني وليد، وسبها، وغيرها من الجيوب المتبقّية؛ لكن ذلك لوحده سوف لن ينهي مشاكلنا، وسوف لن يفرش لنا البساط الأحمر؛ لأنّنا يجب أن نكون مستعدّين للمشي على الأشواك من أجل بلدنا وغد أطفالنا ولو إلى حين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك