من طبيعة البشر التسرّع في جني الثمار والوصول إلى نهاية الطريق ولو كان ذلك قبل الآوان ؛ وإذا حدث أن تعطّل المسير ولو لوهلة قصيرة فإنّ الناس تبدأ في القلق والخوف. الإنسان المتفائل هو ذلك الذي يأمل خيرا، وينتظرالأحسن، ويقول في داخله: عسى أن يكون الغد أفضل.
في المقابل نجد المتشائمين لايرون من الأشياء غير سلبياتها، ومن المستقبل غير نكساته فيتحوّلوا إلى عصابيين سرعان ما ينتابهم الضيق الذي قد يؤدّي بهم إلى الإكتئاب في أغلب الأحيان.
الذي يحدث في بلادنا الآن هو ثورة من أجل التغيير الحقيقي، وصيحة صادقة من أجل الحرية؛ وهذه تعني في مفهومها الواسع التحرر من المكبّتات من أجل الإنطلاق إلى الأمام.
الكبت قد يكون في داخلنا، وقد يفرض علينا؛ ومن هنا فعلى كل منّا أن يحرر نفسه من الداخل قبل أن يسعى إلى تحرير نفسه من الكبت المحيط به، أو المسلّط عليه. الإنسان المتحرر في داخله هو ذلك الذي يستطيع أن يبدع، وان ينطلق إلى الأمام بكل ثقة وثبات، وهو من يمكن الإعتماد عليه لبناء المستقبل.
الذي يحدث في بلادنا الآن هو صيحة من أجل الحرية؛ وهذه تعني أن الهدف نبيل، وأن التضحيات من أجل تحقيقه تهون مهما كبرت..... كما أنها تعني أن السعي إلى تحقيق هذا الهدف يجب ألّا يعترف بعامل الزمن، وألّا يؤمن بفكرة الرجوع إلى الوراء. الحرية هي مبتغانا وسوف لن نتوقّف بإذن الله حتى نحققها مهما كانت العراقيل، ومهما كانت التحدّيات، ومهما كانت شراسة من يقف بيننا وبين تحقيق ذلك الهدف.
إستمعت بالأمس إلى الكثير من الأصوات المتشائمة، والتصريحات المثبّطة للعزيمة من قبل أغلب المشاركين في عملية تحرير بلادنا من هذا الطاغية الذي سرق حريتنا وسلب إرادتنا لأكثر من 42 سنة؛ وهذه التصريحات ما كان لها أن تخرج إلى الملآ لأن الناس من طبيعتها أن تبحث عن الخبر الجيّد، وكل ما من شأنه أن يرفع المعنويات.
السيّد محمود شمّام، والدكتور علي الترهوني يعتبران بكل المقاييس من الشخصيات الوطنية المثابرة، والناجحة في الحياة ومن ثمّ فقد تعجّبت من تصريحاتهما بخصوص "نفاذ كل أموال المجلس الوطني".
بدون شك كلنا نعرف بأن اموال المجلس الوطني لم تنفذ كلّها، وبالتأكيد فإن المجلس له آليّاته التي عن طريقها يمكنه توفير المال العام، والبحث عن مصادر جديدة للتمويل. تلك هي مهمّة المجلس؛ وعلى المجلس أن يقوم بها ليبرهن لليبيين الذين باركوه وإصطفّوا وراءه على مقدرته ودينماكيته في حلحلة الأمور المستعصية ذلك لأنّ المجلس الوطني الآن يمثّل تطلّعات الشعب الليبي وسعيهم من أجل تحقيق حياة كريمة فيها الكثير من الإحترام لأدمية الإنسان...... ذلك النمط من الحياة الذي كان غائبا بالكامل في عهد الطاغية القذافي الذي سرق المال، وسرق حرية الناس وكان السبب في تعاسة الليبيين طيلة العقود الأربعة الماضية.
لا أدري بالضبط ما هي الرسالة التي كان كل من السيد شمّام، والدكتور الترهوني يأملان في توصيلها إلينا عبر الأثير؟. ألم يساهم كل منهما في تعزيز موقف الطاغية القذافي وتشكيكه في مقدرة المجلس الوطني على قيادة البلاد بدلا منه بمثل تلك التصريحات، وألم يساهم كل منهما في تخويف أبناء وبنات الشعب الليبي الذين يعانون الآن من كل أنواع المصاعب والتحدّيات، والتنزيل من سقف تطلّعاتهم وآمالهم؟.
من وجهة نظري مثل هذه الأمور يمكن مناقشتها مع أهل الشأن من السادة الحكّام العرب، ومع الأصدقاء في أوروبا وأمريكا الشمالية بطريقة حضارية ومهذّبة، وبإسلوب علمي مدعوم بالوثائق والإحصائيات لأن هؤلاء الناس ـ وكلا السيّدين المحترمين يعرفان ذلك جيدا ـ لايفهمون إلا لغة الأرقام والوثائق. هل قام أعضاء المجلس بمحاسبة أنفسهم، وتدوين مصاريفهم بشكل نقيّ وشفّاف؛ أم أن الفساد الذي كان يسود في عهد الطاغية القذافي أصبح الآن يكرر نفسه ولكن بآساليب مختلفة؟.
علينا أيها الإخوة أن نحاسب أنفسنا أولا، وأن نقدّر الأشياء من حيث النفع والضرر قبل أن نقدم على فعلها إن كنا بالفعل نسعى إلى تحقيق ليبيا الجديدة التي تختلف جذريا عن ليبيا التي كانت قبل فبراير 2011 سواء كان ذلك في العهد الملكي، أو في عهد الطاغية القذّافي؛ فكلا العهدين ـ كما نعرف ـ كانا يمارسان الفساد، ويسمحان بتداول العمولات والرشاوي في أجهزة الدولة، وكلا العهدين كانا يعبثان بالمال العام كل بإسلوبه الخاص؛ مع الأخذ في الإعتبار إختلاف العهدين في شكل وكمية الفساد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك