ما أحوجنا أيها الإخوة والأخوات أبناء ليبيا الحبيبه في أن نفكر في مستقبل بلدنا، وأن نهتم بمصالح شعبنا بعيدا عن الآنانية وحب الذات .
لا أدري لماذا يفكّر من هم في الحكم في أنفسهم وينسون بقية أفراد الشعب؟. إنها بالفعل آنانية ضاربة في الأعماق، وعلامات تخلّف وقصر نظر .
لماذا أيها الساده لا نرى أنفسنا من خلال بلدنا، ونحسّ بعزّنا ومجدنا من خلال رفاهية شعبنا.... لماذا لايحسّ الفرد منا بأن سعادته الشخصية هي جزء من سعادة أهل بلده ؟. إن الإحساس بالوطن في داخلنا، وتصرّفنا من خلال ذلك بطبيعة الحال يعكس مستوياتنا الحضارية، ومقدار مداركنا الثقافية من ناحية ومداركنا الإنسانية ككل من ناحية أخرى .
نعم.... أنا على يقين بأن سلوك الفرد هو من سلوك الحاكم، ونعم نحن في البلاد العربية في ظروف الحكم التي تسيّر أمورنا الآن نحسّ بأننا ربما نحن نعيش أوضاعا شاذة عن بقية بلاد العالم؛ ولكن هذا لا يمنعنا أبدا من أن نتحلّى ـ كمواطنين وكموظفين في الدولة ـ بالقيم الأخلاقيه، وبالشرف والعفة. إن حب التملّك، وحب الإستحواذ سوف لن يفتح أبواب الجنه؛ بل على العكس تماما.. إنه يعتبر مخالفا لآوامر الله، ولقيم ديننا الإسلامي الذي يحضّنا على القناعه والرضاء وحب الغير بما يتطلّب ذلك من تواضع ونبذ للذّات؛ وهذه الثوابت الروحية والبشرية لا يعرفها أولئك الذين لايرون من الوظيفة غير النهب والسلب والإستحواذ، وكذا الجري وراء الغنى الفاحش السريع من خلال الغش، والكذب، والتلاعب، والرشوة، والعمولات التجاريه، وكذلك من خلال التحايل على ضوابط وقوانين وشرف المهنه .
إن ذلك الذي يذهب للصلاة في يوم الجمعه، والذي يذهب عازما قضاء فريضة الحج، والذي يصوم في شهر رمضان أو ذلك الذي يصوم أياما أخرى من أيام السنة تقرّبا إلى الله عليه أن يعرف أولا بأن الإسلام كدين وكعقيدة إنما هو في حقيقة الأمر يعتبر ممارسه يوميه مستمرة ترتكز أساسا على مبدأ التعامل النزيه بين البشربما يشمل ذلك من الإخلاص في العمل، والصدق، والأمانه، وكذلك الحفاظ على أموال الشعب لأنها ملك عام ولا يجوز التصرف فيها من قبل الموظّف المسئول مهما كانت المبررات... الإسلام هو واقع الأمر يعتبر ممارسة يومية فعلية ولا يمكن إعتباره نوعا من الطقوس نمارسها مثل التمارين الرياضية ، أو بهدف أن نري الغير بأننا نعبد الله. لقد لاحظت بأن الكثير من المسلمين ( أغلبهم من أتباع تنظيم الإخوان المسلمين) بدأوا في السنوات الأخيرة ( بدعة) يحرصون على إظهار علامة حمراء "ملتهبة" في أعلى جبهة الرأس بغرض البرهنة للآخرين على أنّهم يكثرون من السجود تطبيقا لقوله تعالى: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ (سورة الفتح).... هؤلاء من وجهة نظري ما هم إلا نفر من المنافقين الأفّاقين الذين لا يهمّهم إلا تغفيل الناس والكذب على أنفسهم لأن الإيمان بالله هو إحساس في داخل القلب، وبأن الإيمان الحقيقي يعني العلاقة الصادقة بين الإنسان وربه وهذه لاتحتاج إلى إظهار للناس ذلك لأن الله لايحتاج إلى شهود من البشر فهو يرى ويسمع ويعي ويعلم ما تضمره القلوب.
كما أنني أريد أن أنبّه أمثال هؤلاء إلى أن الآية كانت تصف صراحة وبكل وضوح لايحتاج إلى الكثير من التأويل حال رسول الله محمدا عليه السلام، وكذلك حال الذين معه، وعبارة "سيماهم على وجوههم" تعني أكثر من مجرّد "لطعة في مقدمة الرأس" وإنما هي تعني من وجهة نظري علامات الإيمان الحقيقي منعكسة على وجه الإنسان في هيئة إرتياح وطمأنينة وقناعة بالقدر ورضاء بحكم الله.
أود ختاما أن أهمس في أذان أولئك الذين يحاولون وضع اللوم بالكامل على موظفي الدوله ناسين أو متجاهلين رأس الهرم فيها؛ ذلك لأن دين الناس من دين حكامهم؛ وكلما صلح الحاكم كلما صلح المحكومين، وكلما فسد الحاكم فسد من ورائه المحكومين من أبناء شعبه.
إن سبب الفساد في بلاد العرب والمسلمين هو حكّامهم على إعتبار أن الحاكم هو رأس الدوله، والرأس المفكّر فيها، وهو من بيده إصلاح الأمور أو إفسادها وفق رغبته لأنه هو شخصيّا من يختار أعضاء الحكومه، وهو من يعيّن رئيسها، وهو من يرسم الخطوط العريضة لشكل الحكم في الدولة. الحاكم في بلاد العرب والمسلمين يعرف المفسدين، ويعرف مقدار فسادهم، كما أنه يعرف أيضا رغبة أولئك في الإثراء من الوظيفة لكن هذا الحاكم يتغاضى عنهم حتى لاينفرد هو وعائلته بالإفساد حيث تكون مفاسده واضحة للعيان.
في ليبيا.... أنا يقين بأن العقيد معمر القذافي كان يشجّع على الفساد، وكان يسعى جاهدا - وبكل حذق - لإفساد الذمم حتى "يعوّم" الفساد؛ بحيث لايعرف أحد مداه، وعمقه، وعدد المساهمين فيه، وكذلك من أجل أن تضيع دلائل ووثائق التلاعب على من يريد تتبعها في المستقبل عندما تعود الأمور الى نصابها. إن العقيد معمر القذافي كان أول من دعى الى الفساد، ونشر الفوضى عندما أعلن تعطيل القوانين، وحوّل البلد الى فوضى عارمة يستفيد منها في الدرجة الأولى هو وأفراد عائلته. حوّل القذافي نظام الحكم في ليبيا إلى غوغائية غير محددة المعالم، وإلى سلطة هلامية حين دعى إلى إنشاء تنظيم اللجان الثوريه وحثّ أعضائها على الإستيلاء على جميع مرافق الدوله بعد طرد موظّفيها المحترمين من مكاتبهم. كذلك قام العقيد القذافي بعيد ذلك مباشرة بتحويل جميع مدخولات الدوله الليبيه من النفط الى خيمته ( حسابه الخاص) ومن حينها شرع يتحكّم في أرزاق الناس في بلادنا. قام بالإنفاق اللامحدود على أبنائه، وأقربائه، ثم قام بتبذير أموال الشعب الليبي في أفريقيا، وأمريكا اللاتينيه، وغيرها من المغامرات العالميه التي كانت تسوّق الى الشعب الليبي تحت بند "دعم حركات التحرر العالميه". مئات المليارات من أموال الشعب الليبي تم التلاعب فيها بتلك الطريقه؛ وحتى لايحاسب العقيد معمر القذافي في المستقبل فإنه ألغى القوانين، وشجّع على الفساد، وأعطى وظائف الدوله لأولئك الفاسدين حتى تتوزّع الإختراقات بين الألاف منهم بغرض تغييب الأثر، ومحو الأدله، وإخفاء ثوابت التهم من أجل أن لايثبت الجرم علىه، أو على أيّ من أبنائه الذين هم بدورهم تلاعبوا في أموال الشعب الليبي؛ ولعل آخر أخبار ذلك تتمثّل في رحلاتهم "الملكيّه الفاخره" الى لندن ( هانيبال وزوجته وأطفاله، وكذلك عائشة وزوجها)، ثم نيوزيلنده ( سيف وفريقه)، ثم جزر الكاريبي ( المعتصم)، وروما ( الساعدي)، وكذلك مراسم الزواج الملكي لعائشة إبنته حين تزوّجت من أحد أبناء عمومته.
هل سمح لأحد من الليبيين بأن يسأل عن تلك الجهة، أو ذلك الشخص الذي كان يدفع مصاريف أبناء القذافي وبقية أفراد أسرته والتي بلغت المليارات، وهل كان بوسع أيّ واحد من الليبيين مهما كان موضعه في الدولة بأن يحاسب الجهة التي دفعت؟.
من أمثال تلك الممارسات الخارجة عن القانون، والمحصّنة ضد المحاسبة أو المتابعة أو حتى مجرّد التدوين في سجلات وملفات الدولة بدأ الفساد في ليبيا منذ عام 1975 وظل كذلك الى يوم أن أعلن الشعب الليبي ثورته على نظام حكم الطاغية القذافي يمو 17 فبراير 2011..... وسوف لا محالة ينتصر الشعب الليبي على هذا الطاغية لكي ينتهي الفساد في بلاد، وتتم محاسبة المفسدين بدون إستثناء.
إن علاقاتنا مع بقية دول العالم إن كانت قد بنيت على الغش والخداع وعلى العمولات والرشاوي فإن غيرنا سوف يتعامل معنا بمثلها، وقد يستغلنا الغير ويضحك على ذقوننا فنحن في نظرهم أول من بدأ الفساد، ونحن هم من أراد التعامل وفق تلك الأسس. إن ربط الفساد في بلادنا برأس النظام، وبالمقربين منه ربما يعتبر حكما في محلّه، ولذلك الكثير ما يبرهن عليه ويثبته. علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا حتى لاننخدع أو نخدع غيرنا..... فأول خطوة للإصلاح تبدأ من نقطة الإعتراف بوجود الخطأ، والإصلاح لابد وأن يبدأ في داخل أنفسنا إن كنا بالفعل نرغب في المضي إلى الأمام لنلحق غيرنا من الأمم والشعوب التي سبقتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الرجاء وضع تعليقك